السلام عليكم ورحمة الله وبركاته
استجابة لطلب عزيز من الاعزاء على قلبي من الموالين كتبت هذا البحث الوافي عن الغيبة هذه الافة الاجتماعية المنتشرة بين الناس وللاسف وسبل الابتعاد عنها ، وقد يلاحظ البعض بانه طويل نسبيا ولكن لمدى اهمية هذا الموضوع ، وقد يتساءل البعض ما هو العلاج الناجع لهذه المصيبة فاقول لهم كتاب الله وسنة نبيه الكريم وهدى العترة الطاهرة .
قال تعالى : يَا أَيهَا الّذِينَ آمنوا اجْتَنِبُوا كَثِيراً مِّنَ الظنِّ إِنّ بَعْض الظنِّ إِثْمٌ وَ لا تجَسسوا وَ لا يَغْتَب بّعْضكُم بَعْضاً أَ يحِب أَحَدُكمْ أَن يَأْكلَ لَحْمَ أَخِيهِ مَيْتاً فَكَرِهْتُمُوهُ وَ اتّقُوا اللّهَ إِنّ اللّهَ تَوّابٌ رّحِيمٌ (12) سورة الحجرات ، المراد بالظن المأمور بالاجتناب عنه ظن السوء فإن ظن الخير مندوب إليه كما يستفاد من قوله تعالى: «لو لا إذ سمعتموه ظن المؤمنون و المؤمنات بأنفسهم خيرا»: النور: 12 ، و المراد بالاجتناب عن الظن الاجتناب عن ترتيب الأثر عليه كان يظن بأخيه المؤمن سوء فيرميه به و يذكره لغيره و يرتب عليه سائر آثاره، و أما نفس الظن بما هو نوع من الإدراك النفساني فهو أمر يفاجئ النفس لا عن اختيار فلا يتعلق به النهي اللهم إلا إذا كان بعض مقدماته اختياريا.
و على هذا فكون بعض الظن إثما من حيث كون ما يترتب عليه من الأثر إثما كإهانة المظنون به و قذفه و غير ذلك من الآثار السيئة المحرمة، و المراد بكثير من الظن - و قد جيء به نكرة ليدل على كثرته في نفسه لا بالقياس إلى سائر أفراد الظن - هو بعض الظن الذي هو إثم فهو كثير في نفسه و بعض من مطلق الظن، و لو أريد بكثير من الظن أعم من ذلك كأن يراد ما يعلم أن فيه إثما و ما لا يعلم منه ذلك كان الأمر بالاجتناب عنه أمرا احتياطيا توقيا من الوقوع في الإثم.
قوله: «و لا يغتب بعضكم بعضا أ يحب أحدكم أن يأكل لحم أخيه ميتا فكرهتموه» الغيبة على ما في مجمع البيان ذكر العيب بظهر الغيب على وجه يمنع الحكمة منه، و قد فسرت بتفاسير مختلفة حسب الاختلاف في مصاديقها سعة و ضيقا في الفقه، و يئول إلى أن يذكر من الإنسان في ظهر الغيب ما يسوئه لو ذكر به و لذا لم يعدوا من الغيبة ذكر المتجاهر بالفسق بما تجاهر به.
و الغيبة تفسد أجزاء المجتمع واحدا بعد واحد فتسقطها عن صلاحية التأثير الصالح المرجو من الاجتماع و هو أن يخالط كل صاحبه و يمازجه في أمن و سلامة بأن يعرفه إنسانا عدلا سويا يأنس به و لا يكرهه و لا يستقذره، و أما إذا عرفه بما يكرهه و يعيبه به انقطع عنه بمقدار ذلك و ضعفت رابطة الاجتماع فهي كالأكلة التي تأكل جثمان من ابتلي بها عضوا بعد عضو حتى تنتهي إلى بطلان الحياة.
و الإنسان إنما يعقد المجتمع ليعيش فيه بهوية اجتماعية أعني بمنزلة اجتماعية صالحة لأن يخالطه و يمازج فيفيد و يستفاد منه، و غيبته بذكر عيبه لغيره تسقطه عن هذه المنزلة و تبطل منه هذه الهوية، و فيه تنقيص واحد من عدد المجتمع الصالح و لا يزال ينتقص بشيوع الغيبة حتى يأتي على آخره فيتبدل الصلاح فسادا و يذهب الأنس و الأمن و الاعتماد و ينقلب الدواء داء.
فهي في الحقيقة إبطال هوية اجتماعية على حين غفلة من صاحبها و من حيث لا يشعر به، و لو علم بذلك على ما فيه من المخاطرة لتحرز منه و توقى انهتاك ستره و هو الستر ألقاه الله سبحانه على عيوب الإنسان و نواقصه ليتم به ما أراده من طريق الفطرة من تألف أفراد الإنسان و تجمعهم و تعاونهم و تعاضدهم، و أين الإنسان و النزاهة من كل عيب.
و إلى هذه الحقيقة أشار تعالى فيما ذكره من التمثيل بقوله: «أ يحب أحدكم أن يأكل لحم أخيه ميتا فكرهتموه» و قد أتي بالاستفهام الإنكاري و نسب الحب المنفي إلى أحدهم و لم يقل: بعضكم و نحو ذلك ليكون النفي أوضح استيعابا و شمولا و لذا أكده بقوله بعد: «فكرهتموه» فنسب الكراهة إلى الجميع و لم يقل: فكرهه.
و بالجملة محصله أن اغتياب المؤمن بمنزلة أن يأكل الإنسان لحم أخيه حال كونه ميتا، و إنما كان لحم أخيه لأنه من أفراد المجتمع الإسلامي المؤلف من المؤمنين و إنما المؤمنون إخوة، و إنما كان ميتا لأنه لغيبته غافل لا يشعر بما يقال فيه.
و في قوله: «فكرهتموه» و لم يقل: فتكرهونه إشعار بأن الكراهة أمر ثابت محقق منكم في أن تأكلوا إنسانا هو أخوكم و هو ميت فكما أن هذا مكروه لكم فليكن مكروها لكم اغتياب أخيكم المؤمن بظهر الغيب فإنه في معنى أكل أحدكم أخاه ميتا.
و اعلم أن ما في قوله: «أ يحب أحدكم أن يأكل» إلخ، من التعليل جار في التجسس أيضا كالغيبة، و إنما الفرق أن الغيبة هو إظهار عيب الغير للغير أو التوصل إلى الظهور عليه من طريق نقل الغير، و التجسس هو التوصل إلى العلم بعيب الغير من طريق تتبع آثاره و لذلك لم يبعد أن يكون الجملة أعني قوله: «أ يحب أحدكم أن يأكل لحم أخيه ميتا» إلخ، تعليلا لكل من الجملتين أعني «و لا تجسسوا و لا يغتب بعضكم بعضا».
و اعلم أن في الكلام إشعارا أو دلالة على اقتصار الحرمة في غيبة المسلمين، و من القرينة عليه قوله في التعليل: «لحم أخيه» فالأخوة إنما هي بين المؤمنين.
أخرج ابن أبي حاتم عن السدي: أن سلمان الفارسي كان مع رجلين في سفر يخدمهما و ينال من طعامهما و أن سلمان نام نوما فطلبه صاحباه فلم يجداه فضربا الخباء و قالا ما يريد سلمان شيئا غير هذا أن يجيء إلى طعام معدود و خباء مضروب فلما جاء سلمان أرسلاه إلى رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) يطلب لهما إداما فانطلق فأتاه فقال: يا رسول الله بعثني أصحابي لتؤدمهم إن كان عندك. قال: ما يصنع أصحابك بالأدم؟ قد ائتدموا. فرجع سلمان فخبرهما فانطلقا فأتيا رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) فقالا: و الذي بعثك بالحق ما أصبنا طعاما منذ نزلنا. قال: إنكما قد ائتدمتما سلمان بقولكما. فنزلت «أ يحب أحدكم أن يأكل لحم أخيه ميتا». و فيه، أخرج الضياء المقدسي عن أنس قال: كانت العرب يخدم بعضها بعضا في الأسفار و كان مع أبي بكر و عمر رجل يخدمهما فناما و استيقظا و لم يهيىء لهما طعاما فقالا: إن هذا لنئوم فأيقظاه فقالا: ائت رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) فقل له: إن أبا بكر و عمر يقرئانك السلام و يستأدمانك، فقال: إنهما ائتدما، فجاءاه فقالا يا رسول الله بأي شيء ائتدمنا؟ قال: بلحم أخيكما، و الذي نفسي بيده إني لأرى لحمه بين ثناياكما، فقالا: استغفر لنا يا رسول الله. قال: مراه فليستغفر لكما.
و في الكافي، بإسناده إلى السكوني عن أبي عبد الله (عليه السلام) قال: قال رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم): الغيبة أسرع في دين الرجل المسلم من الأكلة في جوفه. و فيه، بإسناده عن حفص بن عمر عن أبي عبد الله (عليه السلام) قال: سئل النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) ما كفارة الاغتياب قال: تستغفر الله لمن اغتبته كما ذكرته.
وعنه انه قال : يا علي : إن جامعت أهلك في ليلة الثلاثاء فقضى بينكما ولد فإنه يرزق الشهادة بعد شهادة أن لا إله إلا الله وأن محمدا رسول الله ولا يعذبه الله مع المشركين ويكون طيب النكهة من الفم ، رحيم القلب ، سخي اليد ، طاهر اللسان من الغيبة والكذب والبهتان .
يا علي : وإن جامعت أهلك ليلة الخميس فقضى بينكما ولد يكون حاكما من الحكام أو عالما من العلماء .
( في ذكر الحقوق لزين العابدين ( عليه السلام ) )
روى إسماعيل بن الفضل ، عن ثابت بن دينار الثمالي ، عن سيد العابدين علي بن الحسين عليهما السلام انه قال : وحق السمع : تنزيهه عن سماع الغيبة وسماع ما لا يحل سماعه .
وقال ( صلى الله عليه وآله وسلم ) ونهى عن الغيبة والاستماع إليها ، ونهى عن الغيبة ، قال ( صلى الله عليه وآله وسلم ) : من اغتاب امرء مسلما بطل صومه ونقض وضؤوه وجاء يوم القيامة تفوح من فيه رائحة أنتن من الجيفة يتأذى به أهل الموقف ، فإن مات قبل أن يتوب مات مستحلا لما حرم الله .
وفي وصيته لابي ذر الغفاري : يا أباذر : إياك والغيبة ، فإن الغيبة أشد من الزنا ، قلت : يا رسول الله ولم ذلك بأبي أنت وأمي ؟ قال : لان الرجل يزني ويتوب إلى الله فيتوب الله عليه ، والغيبة لا تغفر حتى يغفرها صاحبها .
قلت : يا رسول الله وما الغيبة ؟ قال : ذكرك أخاك بما يكره ، قلت : يا رسول الله فإن كان فيه ذاك الذي يذكر به ؟ قال : اعلم إنك إذا ذكرته بما هو فيه فقد اغتبته وإذاذكرته بما ليس فيه فقد بهته .
يا أباذر : من ذب عن أخيه المسلم الغيبة كان حقا على الله أن يعتقه من النار .
يا أباذر : من اغتيب عنده أخوه المسلم وهو يستطيع نصره فنصره نصره الله عزوجل في الدنيا والاخرة ، فإن خذله هو يستطيع نصره خذله الله في الدنيا والاخرة .
ولا ننسى حسن الظن فهو من موارد رضا الله البعد عن الغيبة :
عن أديم (هو أديم بن الحر الخثعمي أو الجعفي ، الكوفي ، الحذاء ، كان من أصحاب الصادق ( عليه السلام ) ، ثقة وله أصلعن الصادق ( عليه السلام ) قال : من ترك التزويج مخافة العيلة فقد أساء الظن بربه ، لقوله سبحانه وتعالى : " إن يكونوا فقراء يغنهم الله من فضله " (سورة النور : آية 32 . ) .
ولكن هناك من يعتبر الظن من التطير وهذا لا يمت للامر بشيء ففي الحديث أن النبي ( صلى الله عليه وآله وسلم ) كان يحب الفأل الحسن ويكره الطيرة .
وكان ( صلى الله عليه وآله وسلم ) يأمر من رأى شيئا يكرهه ويتطير منه أن يقول : " اللهم لا يؤتي الخير إلا أنت ولا يدفع السيئات إلا أنت ولا حول ولا قوة إلا بك " .
نهاية للحديث : ادعو الله عز وجل ان يبعد جميع الاخوة الاحبة من هذا المرض العضال وان يديم علينا الاخلاق المحمدية التي نستمدها من العترة الطاهرة وان يغفر لنا سيئات اعمالنا .
ولدي نصيحة ان تقبلتموها وهي الاستغفار بالصلاة والدعاء لجميع المسلمين والمسلمات الذين اغتبناهم بجوارحنا فهي طريقة نافعة ان شاء الله .
والسلام ختام .
مواقع مفيدة :
http://www.holyquran.net/
http://www.alseraj.com/main.shtml
استجابة لطلب عزيز من الاعزاء على قلبي من الموالين كتبت هذا البحث الوافي عن الغيبة هذه الافة الاجتماعية المنتشرة بين الناس وللاسف وسبل الابتعاد عنها ، وقد يلاحظ البعض بانه طويل نسبيا ولكن لمدى اهمية هذا الموضوع ، وقد يتساءل البعض ما هو العلاج الناجع لهذه المصيبة فاقول لهم كتاب الله وسنة نبيه الكريم وهدى العترة الطاهرة .
قال تعالى : يَا أَيهَا الّذِينَ آمنوا اجْتَنِبُوا كَثِيراً مِّنَ الظنِّ إِنّ بَعْض الظنِّ إِثْمٌ وَ لا تجَسسوا وَ لا يَغْتَب بّعْضكُم بَعْضاً أَ يحِب أَحَدُكمْ أَن يَأْكلَ لَحْمَ أَخِيهِ مَيْتاً فَكَرِهْتُمُوهُ وَ اتّقُوا اللّهَ إِنّ اللّهَ تَوّابٌ رّحِيمٌ (12) سورة الحجرات ، المراد بالظن المأمور بالاجتناب عنه ظن السوء فإن ظن الخير مندوب إليه كما يستفاد من قوله تعالى: «لو لا إذ سمعتموه ظن المؤمنون و المؤمنات بأنفسهم خيرا»: النور: 12 ، و المراد بالاجتناب عن الظن الاجتناب عن ترتيب الأثر عليه كان يظن بأخيه المؤمن سوء فيرميه به و يذكره لغيره و يرتب عليه سائر آثاره، و أما نفس الظن بما هو نوع من الإدراك النفساني فهو أمر يفاجئ النفس لا عن اختيار فلا يتعلق به النهي اللهم إلا إذا كان بعض مقدماته اختياريا.
و على هذا فكون بعض الظن إثما من حيث كون ما يترتب عليه من الأثر إثما كإهانة المظنون به و قذفه و غير ذلك من الآثار السيئة المحرمة، و المراد بكثير من الظن - و قد جيء به نكرة ليدل على كثرته في نفسه لا بالقياس إلى سائر أفراد الظن - هو بعض الظن الذي هو إثم فهو كثير في نفسه و بعض من مطلق الظن، و لو أريد بكثير من الظن أعم من ذلك كأن يراد ما يعلم أن فيه إثما و ما لا يعلم منه ذلك كان الأمر بالاجتناب عنه أمرا احتياطيا توقيا من الوقوع في الإثم.
قوله: «و لا يغتب بعضكم بعضا أ يحب أحدكم أن يأكل لحم أخيه ميتا فكرهتموه» الغيبة على ما في مجمع البيان ذكر العيب بظهر الغيب على وجه يمنع الحكمة منه، و قد فسرت بتفاسير مختلفة حسب الاختلاف في مصاديقها سعة و ضيقا في الفقه، و يئول إلى أن يذكر من الإنسان في ظهر الغيب ما يسوئه لو ذكر به و لذا لم يعدوا من الغيبة ذكر المتجاهر بالفسق بما تجاهر به.
و الغيبة تفسد أجزاء المجتمع واحدا بعد واحد فتسقطها عن صلاحية التأثير الصالح المرجو من الاجتماع و هو أن يخالط كل صاحبه و يمازجه في أمن و سلامة بأن يعرفه إنسانا عدلا سويا يأنس به و لا يكرهه و لا يستقذره، و أما إذا عرفه بما يكرهه و يعيبه به انقطع عنه بمقدار ذلك و ضعفت رابطة الاجتماع فهي كالأكلة التي تأكل جثمان من ابتلي بها عضوا بعد عضو حتى تنتهي إلى بطلان الحياة.
و الإنسان إنما يعقد المجتمع ليعيش فيه بهوية اجتماعية أعني بمنزلة اجتماعية صالحة لأن يخالطه و يمازج فيفيد و يستفاد منه، و غيبته بذكر عيبه لغيره تسقطه عن هذه المنزلة و تبطل منه هذه الهوية، و فيه تنقيص واحد من عدد المجتمع الصالح و لا يزال ينتقص بشيوع الغيبة حتى يأتي على آخره فيتبدل الصلاح فسادا و يذهب الأنس و الأمن و الاعتماد و ينقلب الدواء داء.
فهي في الحقيقة إبطال هوية اجتماعية على حين غفلة من صاحبها و من حيث لا يشعر به، و لو علم بذلك على ما فيه من المخاطرة لتحرز منه و توقى انهتاك ستره و هو الستر ألقاه الله سبحانه على عيوب الإنسان و نواقصه ليتم به ما أراده من طريق الفطرة من تألف أفراد الإنسان و تجمعهم و تعاونهم و تعاضدهم، و أين الإنسان و النزاهة من كل عيب.
و إلى هذه الحقيقة أشار تعالى فيما ذكره من التمثيل بقوله: «أ يحب أحدكم أن يأكل لحم أخيه ميتا فكرهتموه» و قد أتي بالاستفهام الإنكاري و نسب الحب المنفي إلى أحدهم و لم يقل: بعضكم و نحو ذلك ليكون النفي أوضح استيعابا و شمولا و لذا أكده بقوله بعد: «فكرهتموه» فنسب الكراهة إلى الجميع و لم يقل: فكرهه.
و بالجملة محصله أن اغتياب المؤمن بمنزلة أن يأكل الإنسان لحم أخيه حال كونه ميتا، و إنما كان لحم أخيه لأنه من أفراد المجتمع الإسلامي المؤلف من المؤمنين و إنما المؤمنون إخوة، و إنما كان ميتا لأنه لغيبته غافل لا يشعر بما يقال فيه.
و في قوله: «فكرهتموه» و لم يقل: فتكرهونه إشعار بأن الكراهة أمر ثابت محقق منكم في أن تأكلوا إنسانا هو أخوكم و هو ميت فكما أن هذا مكروه لكم فليكن مكروها لكم اغتياب أخيكم المؤمن بظهر الغيب فإنه في معنى أكل أحدكم أخاه ميتا.
و اعلم أن ما في قوله: «أ يحب أحدكم أن يأكل» إلخ، من التعليل جار في التجسس أيضا كالغيبة، و إنما الفرق أن الغيبة هو إظهار عيب الغير للغير أو التوصل إلى الظهور عليه من طريق نقل الغير، و التجسس هو التوصل إلى العلم بعيب الغير من طريق تتبع آثاره و لذلك لم يبعد أن يكون الجملة أعني قوله: «أ يحب أحدكم أن يأكل لحم أخيه ميتا» إلخ، تعليلا لكل من الجملتين أعني «و لا تجسسوا و لا يغتب بعضكم بعضا».
و اعلم أن في الكلام إشعارا أو دلالة على اقتصار الحرمة في غيبة المسلمين، و من القرينة عليه قوله في التعليل: «لحم أخيه» فالأخوة إنما هي بين المؤمنين.
أخرج ابن أبي حاتم عن السدي: أن سلمان الفارسي كان مع رجلين في سفر يخدمهما و ينال من طعامهما و أن سلمان نام نوما فطلبه صاحباه فلم يجداه فضربا الخباء و قالا ما يريد سلمان شيئا غير هذا أن يجيء إلى طعام معدود و خباء مضروب فلما جاء سلمان أرسلاه إلى رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) يطلب لهما إداما فانطلق فأتاه فقال: يا رسول الله بعثني أصحابي لتؤدمهم إن كان عندك. قال: ما يصنع أصحابك بالأدم؟ قد ائتدموا. فرجع سلمان فخبرهما فانطلقا فأتيا رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) فقالا: و الذي بعثك بالحق ما أصبنا طعاما منذ نزلنا. قال: إنكما قد ائتدمتما سلمان بقولكما. فنزلت «أ يحب أحدكم أن يأكل لحم أخيه ميتا». و فيه، أخرج الضياء المقدسي عن أنس قال: كانت العرب يخدم بعضها بعضا في الأسفار و كان مع أبي بكر و عمر رجل يخدمهما فناما و استيقظا و لم يهيىء لهما طعاما فقالا: إن هذا لنئوم فأيقظاه فقالا: ائت رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) فقل له: إن أبا بكر و عمر يقرئانك السلام و يستأدمانك، فقال: إنهما ائتدما، فجاءاه فقالا يا رسول الله بأي شيء ائتدمنا؟ قال: بلحم أخيكما، و الذي نفسي بيده إني لأرى لحمه بين ثناياكما، فقالا: استغفر لنا يا رسول الله. قال: مراه فليستغفر لكما.
و في الكافي، بإسناده إلى السكوني عن أبي عبد الله (عليه السلام) قال: قال رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم): الغيبة أسرع في دين الرجل المسلم من الأكلة في جوفه. و فيه، بإسناده عن حفص بن عمر عن أبي عبد الله (عليه السلام) قال: سئل النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) ما كفارة الاغتياب قال: تستغفر الله لمن اغتبته كما ذكرته.
وعنه انه قال : يا علي : إن جامعت أهلك في ليلة الثلاثاء فقضى بينكما ولد فإنه يرزق الشهادة بعد شهادة أن لا إله إلا الله وأن محمدا رسول الله ولا يعذبه الله مع المشركين ويكون طيب النكهة من الفم ، رحيم القلب ، سخي اليد ، طاهر اللسان من الغيبة والكذب والبهتان .
يا علي : وإن جامعت أهلك ليلة الخميس فقضى بينكما ولد يكون حاكما من الحكام أو عالما من العلماء .
( في ذكر الحقوق لزين العابدين ( عليه السلام ) )
روى إسماعيل بن الفضل ، عن ثابت بن دينار الثمالي ، عن سيد العابدين علي بن الحسين عليهما السلام انه قال : وحق السمع : تنزيهه عن سماع الغيبة وسماع ما لا يحل سماعه .
وقال ( صلى الله عليه وآله وسلم ) ونهى عن الغيبة والاستماع إليها ، ونهى عن الغيبة ، قال ( صلى الله عليه وآله وسلم ) : من اغتاب امرء مسلما بطل صومه ونقض وضؤوه وجاء يوم القيامة تفوح من فيه رائحة أنتن من الجيفة يتأذى به أهل الموقف ، فإن مات قبل أن يتوب مات مستحلا لما حرم الله .
وفي وصيته لابي ذر الغفاري : يا أباذر : إياك والغيبة ، فإن الغيبة أشد من الزنا ، قلت : يا رسول الله ولم ذلك بأبي أنت وأمي ؟ قال : لان الرجل يزني ويتوب إلى الله فيتوب الله عليه ، والغيبة لا تغفر حتى يغفرها صاحبها .
قلت : يا رسول الله وما الغيبة ؟ قال : ذكرك أخاك بما يكره ، قلت : يا رسول الله فإن كان فيه ذاك الذي يذكر به ؟ قال : اعلم إنك إذا ذكرته بما هو فيه فقد اغتبته وإذاذكرته بما ليس فيه فقد بهته .
يا أباذر : من ذب عن أخيه المسلم الغيبة كان حقا على الله أن يعتقه من النار .
يا أباذر : من اغتيب عنده أخوه المسلم وهو يستطيع نصره فنصره نصره الله عزوجل في الدنيا والاخرة ، فإن خذله هو يستطيع نصره خذله الله في الدنيا والاخرة .
ولا ننسى حسن الظن فهو من موارد رضا الله البعد عن الغيبة :
عن أديم (هو أديم بن الحر الخثعمي أو الجعفي ، الكوفي ، الحذاء ، كان من أصحاب الصادق ( عليه السلام ) ، ثقة وله أصلعن الصادق ( عليه السلام ) قال : من ترك التزويج مخافة العيلة فقد أساء الظن بربه ، لقوله سبحانه وتعالى : " إن يكونوا فقراء يغنهم الله من فضله " (سورة النور : آية 32 . ) .
ولكن هناك من يعتبر الظن من التطير وهذا لا يمت للامر بشيء ففي الحديث أن النبي ( صلى الله عليه وآله وسلم ) كان يحب الفأل الحسن ويكره الطيرة .
وكان ( صلى الله عليه وآله وسلم ) يأمر من رأى شيئا يكرهه ويتطير منه أن يقول : " اللهم لا يؤتي الخير إلا أنت ولا يدفع السيئات إلا أنت ولا حول ولا قوة إلا بك " .
نهاية للحديث : ادعو الله عز وجل ان يبعد جميع الاخوة الاحبة من هذا المرض العضال وان يديم علينا الاخلاق المحمدية التي نستمدها من العترة الطاهرة وان يغفر لنا سيئات اعمالنا .
ولدي نصيحة ان تقبلتموها وهي الاستغفار بالصلاة والدعاء لجميع المسلمين والمسلمات الذين اغتبناهم بجوارحنا فهي طريقة نافعة ان شاء الله .
والسلام ختام .
مواقع مفيدة :
http://www.holyquran.net/
http://www.alseraj.com/main.shtml
تعليق