الرد على مواضيع اسطوانة حقيقة الرافضة
مقدمة:
بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله كلما حمد الله شيء وكما يحب الله أن يحمد وكما هو أهله وكما ينبغي لكرم وجهه وعز جلاله ولا إله إلا الله كلما هلل الله شيء وكما يحب الله أن يهلل وكما هو أهله وكما ينبغي لكرم وجهه وعز جلاله والصلاة والسلام على مصابيح الدجى في ديجور العمى، وسفن النجاة في بحور الظلام، أعلام الهدى ومفاتيح الرحمة والخلاص، الطهر الميامين، وأحباب رب العالمين محمد وآله الطيبين الطاهرين. قال الحق تبارك وتعالى في محكم كتابه الكريم {يُرِيدُونَ ليطفئوا نُورَ اللَّهِ بِأَفْوَاهِهِمْ وَاللَّهُ مُتِمُّ نُورِهِ وَلَوْ كَرِهَ الْكَافِرُونَ}[1]، وعليه فقد انتشرت في الآونة الأخيرة بعض الاسطوانات التي لا هدف منها إلا التجريح والافتراء على طائفة من المسلمين بما لا يليق، فعمدوا إلى آيات الذكر الحكيم النازلة في المشركين فجعلوها في المسلمين كما هو عهد الخوارج، والهم الأساسي لها هو بث روح التفرقة والعنصرية في وقت نحن أحوج ما فيه إلى الوحدة الإسلامية، ولكن بحول الله وبقوة منه سنناقش ما تعرضت له تلكم الاسطوانات ونبين حقيقة ما فيها، عسى الله أن يتقبل منا بخالص القبول.
سليل الرسالة الموسوي
الفصل الأول:الرد على مسألة نشأة الشيعة وهويتهم
لقد أبدع عميد المنبر الحسيني الشيخ الدكتور أحمد الوائلي تغمده الله بواسع رحمته في بيان نشأة التشيع ومتى بدأ التشيع حيث يقول بعد أن استعرض الآراء في نشأة التشيع "رأي الشيعة وغيرهم من المحققين من المذاهب الأخرى، حيث ذهب هؤلاء إلى أن التشيع ولد أيام النبي صلى الله عليه وآله وأن النبي نفسه هو الذي غرسه في النفوس عن طريق الأحاديث التي وردت على لسان النبي صلى الله عليه وآله وكشفت عما لعلي عليه السلام من مكانة "[2] وفي الحقيقة إن النبي صلى الله عليه وآله بيَّنَ وبشكل واضح هوية التشيع، وعندما نزلت الآية المكرمة {إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ أُوْلَئِكَ هُمْ خَيْرُ الْبَرِيَّةِ}[3] قال النبي صلى الله عليه وآله أنت يا علي وشيعتك[4]. ويروي ابن عساكر في تاريخ دمشق في ترجمة الإمام علي سلام الله عليه "قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم يا علي إذا كان يوم القيامة يخرج قوم من قبورهم لباسهم النور على بخائب من نور أزمتها يواقيت حمر تزفهم الملائكة إلى المحشر فقال علي تبارك الله ما أكرم هؤلاء على الله قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم يا علي هم أهل ولايتك وشيعتك ومحبوك يحبونك بحبي ويحبوني بحب الله هم الفائزون يوم القيامة"[5]. وفي الحقيقة عُرف عن بعض الصحابة رضوان الله تعالى عليهم بأنهم شيعة علي بن أبي طالب ودونكم كتب التأريخ والتراجم لتقعوا على تراجع هؤلاء مثل أبو ذر الغفاري، عمار بن ياسر، المقداد بن الأسود، سلمان المحمدي، حذيفة بن اليمان، ، أبي الهيثم بن التيهان ، سهل بن حنيف ، عبادة بن الصامت ، أبي أيوب الأنصاري ، خزيمة بن ثابت، جابر بن عبد الله الأنصاري، عبد الله بن مسعود، أبي بن كعب، عمرو بن الحمق الخزاعي، حجر بن عدي، عبد الله بن عبد المدان، عامر بن واثلة، مالك بن نويرة وغيرهم رضوان الله تعالى عليهم من أجلاء الصحابة الذين عرفوا بتشيعهم لعلي بن أبي طالب سلام الله عليه، هذا ونزيد عليهم بني هاشم. فالمتتبع لهذه الأسماء والتي وصفها بعض أهل العلم بأنهم من شيعة علي أو محبي علي أو غيرها من الأمور التي تكشف عن تشيعهم، وبالتالي فإن منشأ التشيع كان في عهد رسول الله صلى الله عليه وآله لما تقدم من الروايات التي تبين وجود شيعة للإمام علي في عهد رسول الله صلى الله عليه وآله.
و بعد هذه المقدمة علينا أن نطلع على ما كتبه صحاب الإسطوانة ، يقول صاحب اسطوانة الحقائق الخفية في مذهب الرافضة الاثني عشرية في باب نشأة الشيعة ونبذة تعريفية "نشأت فرقة الرافضة عندما ظهر رجل يهودي من يهود اليمن اسمه (عبدا لله بن سبأ) ادّعى الإسلام وزعم محبة آل البيت ، وغالى في علي - رضي الله عنه - وادعى له الوصية بالخلافة ثم رفعه إلى مرتبة الألوهية ، وهذا ما تعترف به الكتب الشيعية نفسها."
هنا علينا أن نستعرض هذه الفكرة ونبين بُطلانها، مع أن قولنا لن يزيد فوق أعلامنا العظماء كالعلامة المحقق والباحث الناقد السيد مرتضى العسكري في كتابيه عبد الله بن سبأ وخمسون ومائة صحابي مختلق حيث أبدع في تفنيد هذه الأسطورة وجمع فيها الآراء التي تبين أن هذه الشخصية المزعومة التي ذكرها أهل العامة إنما هي من أساطير وأكاذيب سيف بن عمر التميمي .وأصل تلك الروايات كتابيّ سيف بن عمر وهما كتاب الفتوح الكبيرة والردة وكتاب الجمل ومسيرة علي وعائشة ومنهما أخذ الطبري وأخذ غيره منه.
وبين العلامة السيد مرتضى العسكري بأسلوب يقر له الجميع أن تلك الروايات ليست سوى أكاذيب سطرها سيف بن عمر التميمي المتهم بالزندقة[6] ونهل منها أرباب التأريخ دونما تمحيص وتدقيق. فكل الروايات التي ترد علينا بأخبار عبد الله بن سبأ ودوره البطولي في تأليب الناس على عثمان ودوره في واقعة البصرة هي من رواية سيف بن عمر الضبي التميمي، الذي اختلق مجموعة كبيرة من الصحابة والتابعين فقط ليدس في تأريخنا الإسلامي روايات تنخره من الداخل، وهمها الوحيد نشر روح التفرقة، فإنه كما ذكرنا سابقاً متهم بالزندقة والزنادقة لم يكن لهم هم في ذلك الوقت إلا تشتيت الدين الإسلامي الحنيف وعليه فقد نقل السيد العسكري في كتابه خمسون ومائة صحابي مختلق دور الزنادقة في ذلك العصر (أعني في نهايات الدولة الأموية وبداية الدولة العباسية) فمثلاً ينقل أن إبن أبي العوجاء-و هو أحد الزنادقة- قال قُبيل مقتله بأنه وضع أربعة آلاف حديث يحلل فيها حراماً ويحرم فيها حلالاً[7]، فلا استغراب من أن يكون سيف بن عمر التميمي يسير على خطى أقرانه. ويستعرض العلامة العسكري في كتابه عبد الله بن سبأ وأساطير أخرى بعض الروايات التي وردت عن سيف بن عمر الضبي التميمي بشأن أحداث تاريخية معروفة ومن ثمة يقارن تلك الأحداث برواية الثقات ليخلص إلى نتيجة واحدة بينها علماء الجرح والتعديل وهي أن سيف بن عمر كذاب ووضّاع للحديث غير معتمد على روايته أبداً ولا بأس بأن ننقل ترجمته من كتب التراجم
1. يحيى بن معين المتوفى سنة 233 هـ في تاريخه تاريخ إبن معين برواية الدوري بترجمة رقم 2262 "سمعت يحيى يقول سيف بن عمر يحدث عنه المحاربي وهو ضعيف".[8]
2. النسائي المتوفى سنة 303 هـ في كتابه الضعفاء والمتروكين بترجمة رقم256 "سيف بن عمر الضبي ضعيف".[9]
3. أبو محمد الرازي المتوفى سنة 327 هـ في كتابه الجرح والتعديل بترجمة رقم 1198 "عن يحيى بن معين انه قال سيف بن عمر الضبي الذي يحدث عنه المحاربي ضعيف الحديث حدثنا عبد الرحمن قال سئل أبى عن سيف بن عمر الضبي فقال متروك الحديث يشبه حديثه حديث الواقدي".[10]
4. إبن حبان المتوفى سنة 354 هـ في كتابه المجروحين من المحدثين والضعفاء والمتروكين بترجمة رقم 443 ما نصه"سيف بن عمر الضبي الأسيدي من أهل البصرة أتهم بالزندقة يروي عن عبيد الله بن عمر روى عنه المحاربي والبصريون كان أصله من الكوفة يروي الموضوعات عن الأثبات ثنا محمد بن عبد الله بن عبد السلام ببيروت سمعت جعفر بن أبان يقول سمعت بن نمير يقول سيف الضبي تميمي وكان جميع يقول حدثني رجل من بني تميم وكان سيف يضع الحديث وكان قداتهم بالزندقة ".[11]
5. إبن عدي المتوفى سنة 365 هـ في كتابه الكامل في الضعفاء بعد أن ذكر أنه ضعيف "ولسيف بن عمر أحاديث غير ما ذكرت وبعض أحاديثه مشهورة وعامتها منكرة لم يتابع عليها وهو إلى الضعف أقرب منه إلى الصدق".[12]
6. أبو نعيم الأصبهاني المتوفى سنة 435 هـ في كتابه الضعفاء، ترجمة رقم95 "سيف بن عمر الضبي الكوفي متهم في دينه مرمي بالزندقة ساقط الحديث لاشيء".[13]
7. إبن حجر في تهذيب التهذيب "قال بن معين ضعيف الحديث وقال مرة فليس خير منه وقال أبو حاتم متروك الحديث يشبه حديثه حديث الواقدي وقال أبو داود ليس بشيء وقال النسائي والدارقطني ضعيف وقال بن عدي بعض أحاديثه مشهورة وعامتها منكرة لم يتابع عليها وقال بن حبان يروي الموضوعات عن الأثبات قال وقالوا أنه كان يضع الحديث قلت بقية كلام بن حبان اتهم بالزندقة وقال البرقاني عن الدارقطني متروك الحديث وقال الحاكم اتهم بالزندقة وهو في الرواية ساقط قرأت بخط الذهبي مات سيف زمن الرشيد".[14]
المتحصل من ذلك كله أن سيف بن عمر رجل متهم في دينه، يروي الموضوعات لا بل يضع الحديث أيضاً فهو ساقط الرواية، السؤال الذي يطرح نفسه هو: لماذا قبل القوم رواية سيف بن عمر في شأن عبد الله بن سبأ وهم يعلمون حاله من الضعف والزندقة ووضع الحديث؟ هل لأن الموضوع يطعن في الشيعة الإمامية؟ أم أن لهم مآرب أخرى من تصديق هكذا روايات؟ لا حول ولا قوة إلا بالله العلي العظيم.
عموماً عودة على ذي بدء فإن صاحب الإسطوانة اعتمد على ثلاثة أقوال لصاحب المقالات والفرق وفرق الشيعة والكشي، وعموماً نستعرض أقوالهم كما نقلها صاحب الإسطوانة . يقول صاحب الإسطوانة "قال القمي في كتابه (المقالات والفرق) : يقر بوجوده ويعتبره أول من قال بفرض إمامة علي ورجعته وأظهر الطعن على أبي بكر وعمر وعثمان وسائر الصحابة" فالعاقل عليه أن ينظر في هذا القول، فإذا كانت مسألة أنه أول من قال بفرض الإمامة فهذا خطأ لأن الله جل وعلا قد فرض إمامة أمير المؤمنين سلام الله عليه على لسان النبي صلى الله عليه وآله في آية الولاية {إِنَّمَا وَلِيُّكُمُ اللّهُ وَرَسُولُهُ وَالَّذِينَ آمَنُواْ الَّذِينَ يُقِيمُونَ الصَّلاَةَ وَيُؤْتُونَ الزَّكَاةَ وَهُمْ رَاكِعُونَ}[15]، هذا وقد صدح بها رسول الله صلى الله عليه وآله في غير موضع، منها في ما يُسمى بحديث الدار عندما نزلت الآية الكريمة {وَأَنذِرْ عَشِيرَتَكَ الْأَقْرَبِينَ}[16] أمسك النبي بأمير المؤمنين سلام الله عليه وقال إن هذا أخي ووصي وخليفتي فيكم فاسمعوا له وأطيعوا[17] وأيضاً عندما أعلن النبي صلى الله عليه وآله ولاية الإمام علي على الناس في يوم الغدير حين قال من كنت مولاه فعلي مولاه وقد أنشد حسان بن ثابت قصيدته المشهورة:
يناديهمُ يومَ الغديرنبيُّهم***بِخُمٍّ فأسمعْ بالرَّسول مناديا
وقالَ فمن مولاكم ووليُّكم ***فقالوا ولم يُبدوا هناك تعاميا
إلهك مولانا وأنت وليُّنا***ولم يُلْفَ منا في الولاية عاصيا
فقالَ له قم يا عليُّ فإنني***رضيتك من بعدي إماماً وهاديا
فمنْ كنتُ مولاه فهذا وليُّه***فكونوا له أنصارَ صدقٍ مواليا
هناك دعا اللهم والِ وليَّه*** وكن بالذي عادى عليّاًمعاديا[18]
وقالَ فمن مولاكم ووليُّكم ***فقالوا ولم يُبدوا هناك تعاميا
إلهك مولانا وأنت وليُّنا***ولم يُلْفَ منا في الولاية عاصيا
فقالَ له قم يا عليُّ فإنني***رضيتك من بعدي إماماً وهاديا
فمنْ كنتُ مولاه فهذا وليُّه***فكونوا له أنصارَ صدقٍ مواليا
هناك دعا اللهم والِ وليَّه*** وكن بالذي عادى عليّاًمعاديا[18]
لذلك نرى بأن مسألة فرض إمامة أمير المؤمنين سلام الله عليه أمر أقره الله جل وعلا وبلغ به رسوله الأمين صلى الله عليه وآله وسلم.
النقطة الثانية المطروحة وهي الرجعة ولعلنا سنسهب القول فيها قليلاً حتى يتضح الأمر.الرجعة كما يعرفها علماؤنا الأجلاء هي أن يُعيد الله قوماً من الأموات إلى الدنيا قبل يوم القيامةفي صورهم التي كانوا عليها. وعليه قال الشيخ المفيد عن الرجعة " واتفقت الإمامية على وجوب رجعة كثير من الأموات إلى الدنيا قبل يوم القيامة"[19] ونقل العلامة السيد محسن الأمين في أعيانه عن علم الهدي السيد المرتضى أنه سئل في الرجعة وأجاب: بأن الذي تذهب إليه الشيعة الإمامية أن الله تعالى يعيد عند ظهور المهدي قوما ممن كان تقدم موته من شيعته.[20]
هذا من ناحية التعريف وإذا أتينا إلى العقل فإنه لا يستبعد أن يُرجع الله تبارك وتعالى أناس إلى الحياة الدنيا بعد أن يميتهم، أولم يقل جل من قال بسم الله الرحمن الرحيم {أَوْ كَالَّذِي مَرَّ عَلَى قَرْيَةٍ وَهِيَ خَاوِيَةٌ عَلَى عُرُوشِهَا قَالَ أَنَّىَ يُحْيِي هََذِهِ اللّهُ بَعْدَ مَوْتِهَا فَأَمَاتَهُ اللّهُ مِئَةَ عَامٍ ثُمَّ بَعَثَهُ}[21] ثم إن العقل أي استبعاد في ذلك ولا يراها من الممتنعات العقلية كاجتماعالنقيضين والضدين وذلك لان مفادالرجعةالتي نعتقدها هيعبارة عن إحياء بعض النفوس في هذه النشأة بعد ما ذاقت الموت وهذا أمر ممكن الحصول والوقوع وشي معقول. فالمنكر للرجعة أمام أمرين إما أن يقول بأن الرجعة مستحيلة وبالتالي يُكذب القرآن الكريم وقد صرح في غير موضع رجوع أنا بعد الموت كالآية الكريمة التي ذكرناها سابقاً أو الآية الكريمة {ثُمَّ بَعَثْنَاكُم مِّن بَعْدِ مَوْتِكُمْ لَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ}[22] التي تحكي عن بني إسرائيل أو {أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِينَ خَرَجُواْ مِن دِيَارِهِمْ وَهُمْ أُلُوفٌ حَذَرَ الْمَوْتِ فَقَالَ لَهُمُ اللّهُ مُوتُواْ ثُمَّ أَحْيَاهُمْ إِنَّ اللّهَ لَذُو فَضْلٍ عَلَى النَّاسِ وَلَكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لاَ يَشْكُرُونَ}[23]. القصد بأن فرض استحالة الرجعة تكذيب للقرآن الكريم، أو أن منكر الرجعة يقول والعياذ بالله بأن الله غير قادر على إرجاع الموتى وهذا كفر بواح.
إذا أردنا أن نناقش الرجعة ونرى أخبارها عند أهل العامة فما علينا إلا الإطلاع على كتاب من عاش بعد الموت لعبد الله بن محمد بن عبيد بن أبي الدنيا المتوفى سنة 281 فقد أدرج فيه 64 رواية لأناس توفاهم الله جل وعلا ثم أحياهم مرة أخرى وعلى سبيل المثال لا الحصر ينقل بسنده إلى مالك بن أنس بن مالك قال عدت شابا من الأنصار فما كان بأسرع من أن مات فأغمضناه ومددنا عليه الثوب فقال بعضنا لأمه احتسبيه قالت وقد مات؟ قلنا نعم. قالت أحق ما تقولون؟ قلنا نعم. فمدت يديها إلى السماء وقالت اللهم إني آمنت بك وهاجرت إلى رسولك فإذا أنزلت بي شدة شديدة دعوتك ففرجتها فأسألك اللهم أن لا تحمل علي هذه المصيبة اليوم. قال فكشف الثوب عن وجهه فما برحنا حتى أكلنا وأكل معنا.[24] فالمسألة ليست بتلك الغرابة التي يصورها المخالفون وأن الرجعة من تأليف الشيعة وتلفيقهم، فالحمد لله رب العالمين.
أما النقطة الثالثة التي يذكرها صاحب الإسطوانة هي إظهار الطعن على أبي بكر وعمر وعثمان وسائر الصحابة. إذا كانت العبارة كما نقلها صاحب الإسطوانة فلا بأس بذلك فالطعن كان موجود وقد روى أهل العامة في كتبهم ما يغنينا عن البحث في مطاعن مشايخهم في كتب غيرهم. ولا بأس بأن ننقل بعض المطاعن التي ينقلها أهل العامة في حق الصحابة، ليعلم الناس من الذي يطعن في الصحابة نحن أم هم :يروي الحاكم في المستدرك بسنده إلى قيس بن أبي حازم قال جاء الزبير إلى عمر بن الخطاب رضي الله تعالى عنه يستأذنه في الغزو فقال عمر اجلس في بيتك فقد غزوت مع رسول الله صلى الله عليه وسلم قال فردد ذلك عليه فقال له عمر في الثالثة أو التي تليها اقعد في بيتك فوالله إني لأجد بطرف المدينة منك ومن أصحابك أن تخرجوا فتفسدوا على أصحاب محمد صلى الله عليه وسلم" [25] فهنا نسأل هل كان الصحابة ومنهم الزبير بن العوام من الذين يفسدون الناس ؟ أوليس هذا مطعناً في حقه وفي حق أصحابه؟ وهذا مسلم بن الحجاج يروي في صحيحه بسنده إلى أبي هريرة أن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم فقد ناساً في بعض الصلوات فقال لقد هممت أن آمر رجلاً يصلي بالناس ثم أخالف إلى رجال يتخلفون عنها فآمر بهم فيحرقوا عليهم بحزم الحطب بيوتهم ولو علم أحدهم أنه يجد عظماً سميناً لشهدها يعني صلاة العشاء[26] وغيرها وغيرها الكثير من المطاعن التي لولا أنها تسبب ما تسبب من الفرقة والبغضاء لأدرجناها مفصلة.بعد هذا يتضح بأن ما نقله صاحب الإسطوانة عن القمي الأشعري صاحب المقالات والفرق كلها أمور موجودة ولم يبتدعها ابن سبأ من عنده ولم تكن من كيسه.
أنا هنا لست في مقام الدفاع عنه لأني من النافين أن يكون قد لعب هذا الدور الذي يصوره أبناء العامة له، ولكن بالنظر إلى ما نقله الكشي (وهو أحد الذين يستشهد بهم صاحب الإسطوانة ) نجد أن جل ما يذكر من روايات هي أن هناك رجل اسمه عبد الله بن سبأ قد غلا في أمير المؤمنين سلام الله عليه إلى أن أوصله مرتبة الألوهية والربوبية ونحن لنا موقف من أي شخص يدعي في أحد الأئمة هذا المدعى الخطير فالأئمة هم عبيد من عبيد الله سبحانه وتعالى ولا يجوز أن يرفعوا إلى تلك المرتبة التي اختص بها الباري جل وعلا وحده، وعليه يقول العلامة الحلي وهو يوضح رأي الطائفة الحقة في إبن سبأ فيقول "عبد الله بن سبأ - بالسين المهملة، والباء المنقطة تحتها نقطة واحدة - غال ملعون، حرقه أمير المؤمنين (عليه السلام) بالنار، كان يزعم أن عليا (عليه السلام) إله وإنه –أي إبن سبأ- نبي لعنه الله".[27]
لكن بقيت مسألة وهي أن صاحب الإسطوانة حاول أن يوهم القراء بأن الشيعة الإمامية إنما أخذت دينها عن طريق اليهود والحال خلاف ذلك ولعلنا نشير إلى هذا الأمر عن طريق الحقائق والوقائع المثبتة في أمهات الكتب:
1. منعت أحاديث الرسول صلى الله عليه وآله من أن تكتب وأن يحدث بها وذلك على خلفية إعتلاء الخليفة الأول سدة الحكم واستلامه مقاليد الخلافة فقد روى الذهبي في تذكرة الحفاظ في ترجمة أبو بكر أنه قال: إنكم تحدثون عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أحاديث تختلفون فيها والناس بعدكم أشد اختلافا فلا تحدثوا عن رسول الله شيئا فمن سألكم فقولوا بيننا وبينكم كتاب الله فاستحلوا حلاله وحرموا حرامه[28]. ونقل ابن ماجه في سننه وصححه الشيخ الألباني بإسناده إلى قرظة بن كعب أنه قال: بعثنا عمر بن الخطاب إلى الكوفة وشيعنا . فمشى معنا إلى موضع يقال له صرار . فقال أتدرون لم مشيت معكم ؟ قال قلنا لحق صحبة رسول الله صلى الله عليه وسلم ولحق الأنصار. قال لكني مشيت معكم لحديث أردت أن أحدثكم به فأردت أن تحفظوه لممشاي معكم . إنكم تقدمون على قوم للقرآن في صدورهم هزيز كهزيز المرجل . فإذا رأوكم مدوا إليكم أعناقهم وقالوا أصحاب محمد . فأقلوا الرواية عن رسول الله صلى الله عليه وسلم ثم أنا شريككم.[29] خلصنا هنا أن هناك قرارات رئاسية بمنع التحديث أو كتابة سنة النبي صلى الله عليه وآله بل رفعوا شعار حسبنا كتاب الله، وما أشبه بشعار رفعه غيرهم فكان كلمة حق أرادوا بها باطل.
2. بعد أن تبينا من النقطة السابقة منع تدوين أو التحديث بالسنة النبي صلى الله عليه وآله نجد أن الخليفة الثاني في المقابل أعطى كعب الأحبار وغيره من اليهود المكانة المقربة، حتى أصبح لكعب الأحبار مجلس يحدث في حين أن سنة النبي صلى الله عليه وآله قد مُنعت من التحديث. وكعب الأحبار هذا هو كعب بن ماتع الحميري أحد أحبار يهود اليمن أسلم وقدم في عهد الخليفة الثاني، بإختصار هذه ترجمة كعب الأحبار من كتب التراجم كالتهذيبين وتذكرة الحفاظ، فدعونا ننظر في بعض الذي يروي كعب من الأساطير فقد روى له الطبري في تفسيره أن كعب قال: لما كلم الله موسى بالألسنة كلها قبل لسانه فطفق موسى يقول: أي رب والله ما أفقه هذا حتى كلمه آخر الألسنة بلسانه بمثل صوته فقال موسى أي رب أهكذا كلامك؟ فقال: لو كلمتك بكلامي لم تكن شيئا قال: أي رب هل في خلقك شيء يشبه كلامك؟ فقال: لا وأقرب خلقي شبها بكلامي أشد ما يسمع من الصواعق،[30] رواية أخرى من روايات كعب ولكن ناقلها هذه المرة هو القرطبي في تفسير فيقول" روى أبو هريرة عن النبي صلى الله عليه وسلم قال:ولد لنوح سام وحام ويافث فولد سام العرب وفارس والروم والخير فيهم وولد يافث يأجوج ومأجوج والترك والصقالبة ولا خير فيهم وولد حام القبط والبربر والسودان. وقال كعب الأحبار : احتلم آدم عليه السلام فاختلط ماؤه بالتراب فأسف فخلقوا من ذلك الماء فهم متصلون بنا من جهة الأب لا من جهة الأم وهذا فيه نظر لأن الأنبياء صلوات الله عليهم لا يحتلمون وإنما هم من ولد يافث ".[31] ورواية أخرى يرويها الطبري عن كعب فيقول" قال : لما خلق الله تعالى العرش قال : لن يخلق الله خلقا أعظم مني فاختز فطوقه الله بحية للحية سبعون ألف جناح في الجناح سبعون ألف ريشة في كل ريشة سبعون ألف وجه في كل وجه سبعون ألف فم في كل فم سبعون ألف لسان يخرج من أفواهها في كل يوم من التسبيح عدد قطر المطر وعدد ورق الشجر وعدد الحصى والثرى وعدد أيام الدنيا وعدد الملائكة أجمعين فالتوت الحية بالعرش فالعرش إلى نصف الحية وهي ملتوية به وقال مجاهد : بين السماء السابعة وبين العرش سبعون ألف حجاب نور وحجاب ظلمة وحجاب نور وحجاب ظلمة".[32]
3. نجد أن روايات النبي صلى الله عليه وآله قد منعت ويُعاقب من يرويها في حين أن كعب الأحبار ووهب بن منه وعبد الله بن سلام وغيرهم من اليهود الذين أظهروا الإسلام يعيثون في الأرض فساداً ولا عليهم من رقيب أو حسيب، أفلا يحق لنا نحن أن نتهمهم بأن مذاهبهم قائمة على ثقافات يهودية؟ وتكاد لا تجد كتاب من كتب العقيدة أو التفسير أو الحديث يخلو من الإسرائيليات التي تكلم بها كعب وغيره، والأدهى والأمر من ذلك عندما نجد أبا هريرة ينسب روايات كعب إلى النبي صلى الله عليه وآله[33] أو نجد أنهم ينقلون في كتبهم أن عبد الله بن عباس رضوان الله تعالى عليه وهو ترجمان القرآن الكريم كان يأتي كعباً ويسأله عن تفسير بعض الآيات، حقيقة أنها مصائب تدمي القلوب والعيون.
-----------------------------------------------------
الهامش :
[1] سورة الصف 8
[2] هوية التشيع: ص 26
[3] سورة البينة 7
[4] تفسير الطبري ج30 ص 335، فتح القدير ج5 ص 673، الدر المنثور ج8 ص 589، روح المعاني ج30 ص 207
[5] تاريخ دمشق ج 42 ص 332
[6] تهذيب التهذيب لإبن حجر العسقلاني ج4 ص 259
[7] خمسون ومائة صحابي مختلق للسيد مرتضى العسكري ج1 ص 41، نقلاً عن الطبري ج4 ص 508
[8] تاريخ إبن معين برواية الدوري ج1 ص 336
[9] الضعفاء والمتروكين للنسائي ص 187
[10] الجرح والتعديل للرازي ج4 ص 278
[11] الضعفاء لإبن حبان ج3 ص 345
[12] الكامل في الضعفاء لإبن عدي ج3 ص 435
[13] الضعفاء لأبي نعيم الأصبهاني ص 91
[14] تهذيب التهذيب لإبن حجر العسقلاني ج4 ص 259
[15] سورة المائدة 55
[16] سورة الشعراء 214
[17] تاريخ الطبري ج1 ص 543، علل الشرائع للشيخ الصدوق ج1 ص 170، الإرشاد للشيخ المفيد ج1 ص 7، أمالي الشيخ الطوسي ص 583
[18] يقول جلال الدين السيوطي في كتابه الازدهار في ما عقد الشعراء من الأحاديث والآثار ص 19 و أنشد الشيخ تاج الدين بن مكتوم لحسان بن ثابت الأنصاري رضي الله عنه: يناديهم يوم الغدير ... الأبيات
[19] أوائل المقالات للشيخ المفيد ص 46
[20] أعيان الشيعة للعلامة السيد محسن الأمين ج1 ص 132 ط دمشق.
[21] سورة البقرة 259
[22] سورة البقرة 56
[23] سورة البقرة 243
[24] من عاش بعد الموت لابن أبي الدنيا ص 11
[25] مستدرك الحاكم النيسابوري ج3 ص 129 حديث رقم 4612
[26] صحيح مسلم ج1 ص 450 باب فضل صلاة الجماعة و بيان التشدد في التخلف عنها ط دار إحياء التراث
[27] خلاصة الأقوال للعلامة الحلي ص 372
[28] تذكرة الحفاظ للذهبي ج1 ص 2
[29] سنن ابن ماجه ج1 ص 12
[30] تفسير الطبري ج4 ص 367
[31] تفسير القرطبي ج11 ص 53
[32]المصدر السابق ج15 ص 258
[33] تفسير ابن كثير ج3 ص 603
تعليق