إعـــــــلان

تقليص

للاشتراك في (قناة العلم والإيمان): واتساب - يوتيوب

شاهد أكثر
شاهد أقل

بحوث في ولاية الفقيه

تقليص
X
  •  
  • تصفية - فلترة
  • الوقت
  • عرض
إلغاء تحديد الكل
مشاركات جديدة

  • #16
    الدرس الخامس عشر: وحدة الولاية وتعددها (1)
    لم نكن مبتلين قبل غيبة صاحب الأمر عجل الله فرجه الشريف الموضوع وحدة الولاية والإمامة او تعددها، ولم تكن هناك أزمة عملية على هذا الصعيد، كما أنه لا أزمة فكرية لدينا حول هذا الموضوع باعتبار أن الإمام في المعتقد الشيعي إمام لجميع المسلمين وإن تخلف عنه الكثيرون لأسباب ليس هنا محل ذكرها.
    ورغم وجود أكثر من معصوم في الزمان الواحد وأحياناً أكثر من معصومين، فإن الإمامة لم تكن إلا لواحد، علماً أن التعدد في الإمامة المعصومة لم يكن ليشكل مشكلة لأن العصمة تمنع وقوع أي مشكلة قد تنشأ من هذا التعدد.
    وليس الحديث في الإمامة عن أن التعدد وقع أو لم يقع، بل الحديث عن إمكانية الوقوع، فقد دلت الروايات على أنه لا يمكن أن يقع وأن الله تعالى لا يريد أي تعدد على مستوى قيادة الأمة الإسلامية، وعن هذه الروايات ما روي عن هشام بن سالم قال: قلت للصادق عليه السلام: هل يكون إمامان في وقت ؟ قال: "لا، إلا أن يكون أحدهما صامتاً مأموماً لصاحبه، والآخر ناطقاً إماماً لصاحبه، وأما أن يكون إمامان ناطقان في وقت واحد فلا"1.
    85
    والروايات بهذا المعنى كثيرة ومن الواضح أن السؤال ليس إلا عن إمكانية وجود إمامين فكان الجواب بالنفي، ولم يكن السؤال عن وجود إمامين في دائرة اجتماعية واحدة بل في الأرض كلها ولو على نحو التقسيم.
    ونحن في زمن الغيبة لا بد وأن نسأل علماءنا ما سئل عنه أبو عبد الله عليه السلام وعلى الجميع العمل على استخراج الأجوبة عن هذا السؤال: هل يكون في عصر الغيبة للأمة أكثر من ولي أم لا يكون؟.
    ولم يقدم العلماء جواباً واضحاً عن هذا السؤال؟ والأصح أنهم لم يسألوا هذا السؤال في الأزمنة السابقة، لأن المسألة لم تكن محل ابتلاء، وما كانوا مبتلين به كان يقتضي التعدد كالقضاء والولاية على الأيتام والقصر والمجانين وغير ذلك، إذ لا يمكن أن يكون القاضي في الأمة الإسلامية واحداً كما لا يمكن أن يكون الولي على الأيتام ونحوهم بحيث يشرف على أمورهم واحداً أيضاً، كما أنه لو احتاج مجتمع إلى فقيه يرجعون إليه في شؤونهم العامة كان من شبه المستحيل في الأزمنة الماضية ان يكون الولي واحداً لجميع المجتمعات، حيث لا سلطة، وحيث الملاحقات وصعوبة الإتصالات، فالأمور التي كانت محط أنظارهم وميسورة لهم كانت تستدعي التعدد، أو كان التعدد يفرض نفسه فلم يخطر على بال أحد منهم أن يسأل عن مورد عام يشمل جميع المسلمين كمورد الحكومة هل يكون الحاكم واحداً أو يتعدد، بسبب عدم ابتلائهم، ولذا لم يتعرضوا له في كتبهم.
    نعم تعرضوا لمسألة الوحدة والتعدد في الأمور العادية التي أشرنا لها، أعني الولاية على الأيتام ونحوهم، وبحثوه تحت عنوان جواز مزاحمة فقيه لفقيه آخر في هذه الأمور، ولكن بحثنا مختلف جوهرياً عن تلك المسائل، لأن تلك المسائل إن كانت تقبل التعدد في المجتمع الواحد فهذه لا تقبل هذا التعدد وتلك المسائل مرتبطة بموضوعات محددة، بينما هذه المسألة تتعلق بالأمة كلها وإن كانت تلك المسائل غير ذي أثر مبار على مستوى الأمة وأوضاعها، فهذه المسألة ذات آثار مهمة، فلا نستطيع أن نستفيد مما قالوه هناك رأيهم هنا.
    86
    ولا ريب أن عصر الغيبة مختلف عن عصر الحضور، فإن الإمامة إن لم تقبل التعدد فهذا لا يعني أنها تعددت في عصر الغيبة، بل لا زال الإمام على الأمة واحداً، وهو وإن كان غائباً لكنه حي موجود لا ندري إن كان يتدخل أو لا يتدخل ولا نعرف كيف يتدخل إن تدخل، ولما كان الإمام موجوداً وهو واحد فليس التعدد على مستوى الحاكم غير المعصوم بذلك الأمر غير الممكن فرضه على ما سنبين.
    ومن هنا وقع الخلاف فيما إذا كانت ولاية الفقيه شاملة للأمة الإسلامية أم تتعدد بعدد المناطق والمجتمعات والحكومات، ومن ذهبوا إلى التعدد اختلفوا في الإستدلال عليه، فمنهم من اعتبر أن أدلة ولاية الفقيه لا تحمل جواب هذا السؤال ورأوا هذا كافياً للقول بالتعدد، ومنهم من تمسك بالإطلاق في أدلة ولاية الفقيه، ومنهم من تمسك بأن دليل ولاية الفقيه عقلي لا لفظي والعقلي يسمح بالتعدد.
    رأي الإمام القائد في الوحدة والتعدد:
    ليس لدينا تصريح مباشر من الإمام الخميني قدس سره لنعرف ما إذا كان من أنصار القول بوحدة الولاية أم بالتعدد، ولكن لدينا تصريح من تلميذه الإمام الخامنائي قدس سرهم اختار فيه وحدة الولاية وشمولها للأمة كلها، فقد أجاب عن استفتاء حول الموضوع بما يلي:
    "ولاية ولي الأمر إنما هي بمنزلة إمامة أئمة أهل البيت عليهم السلام غير محدودة بقوم دون قوم، وبصقع دون آخر، وذلك لشمول الأدلة الدالة على ولايته لكل من ينتحل الإسلام والإيمان من دون أي تقييد وتخصيص".
    المقصود من التعدد:
    والذي يمكن أن يقصد من التعدد أحد أمرين:
    أحدهما: أن يراد به الكثرة مع الإجتماع، بأن تكون الولاية لمجلس قيادة
    87
    يضم مجموعة علماء فقهاء عدول، ويكون المراد بالوحدة حينئذ انحصار الولاية بفقيه واحد تتوفر فيه الشروط.
    وهذا المعنى من التعدد غير مقصود هنا كما أنه لا دليل ينفيه، وأدلة ولاية الفقيه لا تأباه، وإن كان يمكن المناقشة في مدى صوابية جعل الولاية لمجلس قيادة ومدى فاعليته على الصعيد العملي بما يتلاءم مع الأهداف.
    ثانيهما: أن يراد به الكثرة من دون اجتماع، بمعنى أن يكون كل واحد منهم ولياً فعلياً مستقلا عن الآخر، وهذا المعنى له صورتان:
    الأولى: أن يكون كل منهم ولياً فعلياً في دائرة اجتماعية واحدة كبيرة كانت الدائرة أو صغيرة، بمعنى أنه لو اجتمع في بلد واحد عدة فقهاء عدول أكفاء فإنهم بأجمعهم يكونون ولاة فعليين في تلك الدائرة، ويكون معنى الوحدة حينئذ أن الولاية في الدائرة الواحدة لا يمكن أن تكون على نحو الإستقلال إلا لواحد أو مجلس موحد سواء كانت هناك حكومة أم لم تكن.
    وهذا المعنى لا يمكن قصده أيضاً إذ لا يمكن لأي عاقل أن يقبل وجود أكثر من حاكم في حكومة واحدة وأكثر من ولي في دائرة واحدة مع كون كل منهم والياً أو حاكماً بشكل مستقل عن الآخر، إذ لا نظم حينئذ ولا نظام ولا مجتمع ولا حياة اجتماعية بل هرج ومرج.
    الثانية: أن يكون كل منهم ولياً فعلياً لكن مع تقسيم الدوائر بأن توزع المهام والمواقع ويكون كل فقيه أو مجلس فقهاء تتوفر فيه الشروط ولياً فعلياً في دائرة خاصة به فكل منهم في بلد أو مدينة أو منطقة، ويكون المراد بالوحدة حينئذ أن الولي في جميع الدوائر أي في الأمة كلها واحد أو مجلس موحد.
    وهذا هو المعنى المطروح للنقاش في هذا الفصل.
    إمكانية التعدد
    علينا في البداية أن نعترف أن كلا الأمرين ممكنان، وإمكانية التعدد بالمعنى الذي ذكرناه تظهر على الأقل في فرض عدم إمكانية أن يكون هناك
    88
    ولي واحد لكل الأمة بأن كانت هناك عوائق تمنع من ممارسة هذا الدور، ولا بد في هذه الحال أن يوجد وليان كل منهما في منطقة تختلف عن الأخرى وإن كان أحدهما أو كلاهما يملكان أهلية قيادة الأمة بأجمعها، لكن الفرض المذكور نادر في هذه العصور مع تطور وسائل الإتصال.
    كما يمكن فرضه في غير حال الإضطرار، إذ ليس ما يمنع في الشريعة ما دام الإمام المعصوم حياً أن يوكل أثناء غيابه مجموعة فقهاء يديرون شؤون الأمة في مواقع الحاجة وأن يتوزعوا في البلاد والأمصار ليكونوا بمثابة الولاة المعينين من قبله عليه السلام، كما هو الحال عند ظهور الإمام عليه السلام، وكما فعل أمير المؤمنين عليه السلام.
    89
    هوامش
    1- عن البحار 25 كتاب الإمامة باب أنه لا يكون إمامان في زمان واحد.
    يتبع

    تعليق


    • #17
      الدرس السادس عشر: وحدة الولاية وتعددها (2)

      هل الأصول الإسلامية والقواعد الدينية والأدلة الشرعية تفيد أن الأصل في الولاية تعدد الولاة بحسب تعدد مناطقهم؟ أم أنها تفيد أن الأصل هو وحدة الولي في جميع البلاد الإسلامية، أي أن يكون هناك ولي واحد فيها لكن على نحو الوجوب، بحيث لا يجوز أن يكون في الأمة أكثر من ولي واحد عليها، وإنما يلجأ إلى التعدد في حالات الإضطرار؟


      تأسيس الأصل‏

      هل المحتاج إلى الدليل هو القول بالوحدة أم المحتاج إلى الدليل هو القول بالتعدد؟ وهذا السؤال له أثر مهم في البحث، لأننا لو قلنا بالأول، فلازمه أن التعدد هو الأصل ويكفي القائل بالتعدد حينئذ عدم الدليل على الإتحاد، وإن قلنا بالثاني، فمعناه أن الأصل هو الإتحاد ويصبح القائل بالتعدد مطالباً بالدليل.

      91

      والظاهر أن الأصل يقتضي الإتحاد، فإذا نظرنا إلى المجتمع الإسلامي ككل واعتبرناه دائرة اجتماعية واحدة، لم يكن لنا خيار إلا فرض ولي واحد فيها إلا في حالات الضرورة، وأما في حالات القدرة فالقول بالتعدد يحتاج إلى دليل.

      ثم إن عدم انضباط مقياس التعدد يفتح الباب واسعاً أمام تكثر الولاة بحسب الأحياء فضلاً عن المدن والبلاد، ويدفع إلى المزيد من التشتت والتفرق في المجتمع الإسلامي، إذ ما دمنا قد قبلنا بتعدد الولاة بحسب البلاد فلِمَ لا نقبل بتعدد الولاة بحسب المناطق أو بحسب الأمصار ولم لا نقبله على مستوى الأحياء فهذا تشتت، في تشتت وليس هذا هو مرام الإسلام يقيناً، وأنه بعيد جدا عن روح الإسلام وعما أسس في الإسلام.

      وأما حديث أن الإمام عليه السلام كأنه يريد بث الولاة في البلاد والأمصار فهذا يمكن الركون إليه لو كان الإمام حياً ظاهراً يمكن للولاة الوصول إليه، أما وأنه غائب فإن مرجع دعوى إرادة الإمام لبث الولاة إلى دعوى إرادته لتفكيك الأمة والمجتمع المسلم مع كل ما يترتب على ذلك من مخاطر ومفاسد وهذا غير معقول، ولذا فإن قياس عصر الغيبة على عصر الحضور قياس مع الفارق، لأن الإمام عليه السلام كان على رأس الهرم وكان هو الناظر العام والولي التام فلم يضر التعدد بوحدة الولاية بل كان نابعاً منها.


      أدلة وحدة الولاية

      الدليل الأول: إن الآيات القرآنية والنصوص الشريفة تتعاطى مع المسلمين على أنهم أمة واحدة ومجتمع واحد ليس لهم إلا حكومة واحدة، وكذا حال الروايات، وكذلك هي مرتكزات المسلمين وسيرتهم من كلا الفريقين أعني السنة والشيعة، وأي تفكيك بين الأمة إلى بلاد وأمصار ينافي تلك الآيات والروايات والمرتكزات، صحيح أنهم تنازعوا فيما بينهم، لكن لم يكن النزاع في صحة وجود اكثر من ولي بل كان النزاع حول من يملك أهلية ذلك.

      فوحدة الولي ووحدة الحكومة الإسلامية كانت أمراً مسلماً في ارتكاز المتشرعة من حين إنشاء الدولة الإسلامية على يد الرسول الأكرم صلى الله عليه وآله وسلم وظهرت بوضوح أكثر بعد وفاته صلى الله عليه وآله وسلم إذ كان النزاع الظاهر في السقيفة

      92

      وغيرها في من يكون ولي هذه الأمة، ولم يخطر ببال أحد أن يقسم البلد الإسلامي أو أن يدعو إلى تقسيمه إلى دوائر يكون لكل دائرة وليها الخاص.

      الدليل الثاني: الآيات القرآنية والروائية التي تدعم ما ذكرنا، وأن المسلمين يجب أن يحفظوا ترابطهم فيما بينهم وأن لا يختلفوا ولا يتشتتوا، وإن تعدد الولاية مع إمكان الإتحاد يخالف كل تلك الروايات والآيات.

      فمن الآيات:

      قوله تعالى: ﴿وَالْمُؤْمِنُونَ وَالْمُؤْمِنَاتُ بَعْضُهُمْ أَوْلِيَاءُ بَعْضٍ يَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنْكَرِ وَيُقِيمُونَ الصَّلاَةَ وَيُؤْتُونَ الزَّكَاةَ وَيُطِيعُونَ اللهَ وَرَسُولَهُ﴾1.

      فكيف يكون المؤمنون والمؤمنات أولياء وأنصار لبعضهم البعض، وكيف سيتعاونون فيما بينهم على نشر الشريعة وأحكامها وبث المعروف ومنع المنكرات إن تفككوا إلى مجتمعات وحكومات ودول.

      وقوله تعالى: ﴿وَاعْتَصِمُوا بِحَبْلِ اللهِ جَمِيعاً وَلاَ تَفَرَّقُوا وَاذْكُرُوا نِعْمَةَ اللهِ عَلَيْكُمْ إِذْ كُنْتُمْ أَعْدَاءً فَأَلَّفَ بَيْنَ قُلُوبِكُمْ فَأَصْبَحْتُمْ بِنِعْمَتِهِ إِخْوَاناً﴾2.

      ومن الروايات:

      ما رواه الصدوق في الأمالي بإسناده عن الإمام الكاظم عليه السلام عن آبائه عن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم:

      "من فارق جماعة المسلمين فقد خلع ربقة الإسلام من عنقه، قيل يا رسول الله: وما جماعة المسلمين؟ قال: جماعة الحق وإن قلوا"3.

      وما رواه في الكافي بسنده عن الإمام الصادق عليه السلام: ان رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم قال: "ثلاث لا يغل عليهن قلب امرئ مسلم: إخلاص العمل لله، والنصيحة لأئمة المسلمين، واللزوم لجماعتهم، فإن دعوتهم محيطة من ورائهم، المسلمون إخوة تتكافأ دماؤهم يسعى بذمتهم أدناهم"4.

      وقد تقدم في الدرس الثاني بعض الروايات حول أن الإمامة نظام الأمة.

      93

      ونتيجة هذا الدليل هو أن الأمة الواحدة لا يمكن أن يكون فيها أكثر من حكومة واحدة وولاية واحدة وهو الإتحاد، فيجب على مدعي التعدد أن يدعيّ أن وحدة الأمة قد تم التنازل عنها في عصر الغيبة.

      الدليل الثالث: إن هناك روايات دلت على أن المسلمين كأمة واحدة لا يكون لهم أكثر من رأس واحد، ومن هذه الروايات ما رواه الشيخ الكشي بإسناده عن أبي عبد الله عليه السلام في حديث قال: "ما لكم وللرئاسات إنما للمسلمين (المسلمون) رأس واحد"5.

      وهذا النص موافق للعقل وللإعتبار العقلائي في مقام الحكم والرئاسة، كما أنه صالح للإستدلال، سواء كانت النسخة "للمسلمين" أم كانت "المسلمون".

      أما على الأول فواضح، إذ تكون الرواية صريحة بأن الأصل في مجتمع المسلمين رئاسة واحدة لهم جميعاً.

      وأما على الثاني، فلأنه يدل مباشرة على كون المسلمين مجتمعاً واحداً ودائرة واحدة، وقد بينا فيما سبق أن المجتمع الواحد لا يجوز عقلا أن يحكمه أكثر من رأس واحد.

      الدليل الرابع: أن ننظر إلى مصلحة الأمة ونقرر على أساسها ما الذي توجبه، وهي مصلحة واحدة لا تتحقق إلا بوحدةِ الأمة ووحدةِ قيادتها لا بتعددها وتعدد قادتها.

      إن القول بالتعدد دون وجود جهة حاكمة عامة ذات سلطة يعرض مصالح الأمة للضياع، وإذا تم القبول بوجود مرجعية حاكمة على رأس كل والٍ حتى وإن كانت هذه المرجعية الحاكمة هي مجلس قيادي صاحب سلطة وقرار وولاية فهذا مرجعه إلى القول بوحدة الولاية.

      ومن جميع ما ذكرنا يظهر ضرورة أن يكون الولي على الأمة واحداً وقد

      94

      كان ينبغي عد هذا من البديهيات، واعتبار أن تعدد الولاية وتقسيم الأمة إلى أقسام لا ينبغي طرحه في غير الحالات الضرورية التي لا يمكن معها الإتحاد.

      ومن جميع ما تقدم يتبين أن القول بوحدة الولاية في الأمة لا تتوقف على النص الوارد في أدلة ولاية الفقيه.

      95

      هوامش

      1- التوبة: 71.
      2- آل عمران:103.
      3- البحار، ج‏27 ص‏67.
      4- البحار، ج‏2 ص‏148. والكافي كتاب الحجة باب ما أمر النبي صلى الله عليه وآله وسلم بالنصيحة.
      5- الوسائل الجزء 11 من طباعة المكتبة الإسلامية الباب 50 من أبواب جهاد النفس. الحديث 12.



      يتبع

      تعليق


      • #18
        الدرس السابع عشر: الولاية والمرجعية

        نظرية الوحدة:

        كان الإمام الخميني قدس سره يميل إلى اتحاد الولاية والمرجعية إذا أمكن، وكان يسعى إلى إضافة شرط جديد في المرجعية تصير بموجبه المرجعية متحدة مع الولاية، ولكن لم تأخذ هذه الأمور جديتها اللازمة أو لم تأخذ الوقت الكافي ليستقر عليها الرأي في الحوزات العلمية مما اضطره أخيرا إلى أن يعلن أنه قد يكون الولي غير مرجع، ومراده من ذلك التمييز بين الولاية والمرجعية بالمعنى المعروف والشروط المعهودة، لكن لا بمعنى أن الولي يجب أن لا يكون مرجعاً.

        وهذه المحاولة نجد أمثالها عند كل من استشعر الربط بين المجتمع والمرجعية، بحيث لا تستقيم هذه العلاقة إن اقتصرنا في شروط المرجعية على الشروط المعروفة التي تحصر المرجعية في الشأن الفردي ولم نأخذ بعين الإعتبار أهلية المرجع لقيادة الأمة.

        ومن هؤلاء الذين سعوا ذلك السعي الشهيد السعيد آية الله العظمى السيد محمد باقر الصدر قدس سره الذي كان يدعو بشكل جاد إلى تحقق هذه المحاولة، ولذا عندما وجد ضالته في الإمام الخميني قدس سره دعا الجميع لا لكي يتبعوا الإمام فقط، بل ليذوبوا فيه، الذي يعني الإنقياد المطلق لقيادة

        97

        الإمام الخميني قدس سره. وقد طرح السيد الشهيد نفسه جندياً في هذا السبيل غير عابئ بالإعتبارات التي تحيط به لقناعته بأنه لا مرجعية أرشد من مرجعية الإمام الخميني رحمه الله.


        لو تعدد المرجع والولي‏

        ولا بد من استكمال البحث على ضوء الواقع القائم، حيث لا يلزم العلماء بتقليد الولي من حيث هو ولي وإن كان يجب تقليده أحيانا إن كان هو الأرجح بحسب مرجحات التقليد.

        وفي هذه الحال يرد سؤال ملح يهم المكلفين عامة والذي يقلد غير الولي خاصة: هل هناك تعارض بين المرجعية والولاية؟ ويمكن التوسعة في الطرح إذ أن المكلف قد يكون مجتهداً وهذا، باتفاق الكل، عليه أن يقلد نفسه سواء قلنا بقيام الولاية والمرجعية في شخص واحد، أم لم نقل، فهل يجب عليه أن يكون تحت ولاية فقيه آخر أم لا؟.

        وللإجابة عن التساؤلات السابقة نتحدث تارة في حكم المجتهد، وأخرى في حكم المقلد.

        98

        أما بالنسبة إلى المجتهد:

        فحيث أنه بحسب الفرض أحد أفراد الأمة الذين تولى أمرهم فقيه آخر، فإنه يجب عليه كفرد من أفرادها أن يضع نفسه بتصرف هذه الولاية والإلتزام بأحكامها، و،جرد أنه فقيه لا يكفي للتهرب من التزامات الولاية، وليس في هذا أي منقصة لشأنه ولا مذمة في حقه ولا استهتاراً بعلمه، بل هذا من شؤون الورع والدين والتقوى والحرص على مصلحة الإسلام والمسلمين ونحوها من الصفات التي يجب على كل مكلف أن يتحلى بها.

        أما بالنسبة إلى المقلد:

        الذي يقلد شخصاً، بينما يكون الولي شخصاً آخر، فأيضاً يجب عليه أن يعمل في حياته الإجتماعية والسياسية وما يرتبط بشؤون الولاية بأمر الولي الفقيه، وليس له أن يتهرب من ذلك بحجة أنه لا يقلد ذلك الولي، كما لا يحق للفقيه المرجع غير الولي أن يتدخل في شؤون الناس بما يتعارض مع حكم الحاكم الولي الفقيه حتى وإن طولب بالتدخل من مقلديه، بعدما عرفت أن الفقيه نفسه ملزم بالعمل وفق حكم الحاكم الوالي.

        وبوضوح أكثر نقول: إن الأدلة الدالة على ولاية الفقيه إما لفظية أو عقلية.

        أما الأدلة اللفظية، فقد أعطت الولاية للفقيه، وقد تقدم معنا أن الولاية لا يمكن أن تكون لأكثر من واحد في دائرة اجتماعية واحدة، فكل مكلف في هذه الدائرة مكلف بالعمل وفق رأي الحاكم حسب ما دلت عليه هذه الأدلة اللفظية، فلو كان المكلف يقلد مرجعاً غير الولي، فليس لهذا المرجع حق الأمر والنهي في هذه الدائرة، وبالتالي لا يجوز له التدخل المباشر في حركة الناس، وإن كان يحق له أو يجب عليه أحياناً أن يقدم النصح والمشورة للفقيه الولي، لكن في النهاية الأمر والحكم الملزم والذي يجب العمل على وفقه هو أمر وحكم الفقيه الولي، فالمرجعية لوحدها لا تكفي مبررا لنقض حكم الحاكم، لا لنفس المرجع ولا بالنسبة لمقلديه ما دامت المرجعية شي‏ء والولاية شي‏ء آخر حسب الفرض، سواء كان الإختلاف بين المرجع والولي في الفتوى أم كان في التشخيص، كما أنه الحال كذلك في باب القضاء كما تقدم، بل لو كان الإختلاف في التشخيص فقط فالأمر أوضح، لأنه لا ولاية للمرجع في هذه الحال بل الولاية للفقيه الولي فقط فلا تصل النوبة للتعارض بينهما، فلو فرضنا أن المرجع والولي اتفقا في الفتوى واختلفا في التشخيص، فإن الذي يجب الأخذ بقوله هنا، هو من له ولاية التشخيص، وهو ولي الأمر، أما المرجعية فهي ولاية الفتوى فقط.

        99

        فالمشكلة لو كان هناك مشكلة يتأثر بها المكلف العادي منحصرة في مجالات الإختلاف في الفتوى، كما لو افترضنا أن الفقيه المرجع لا يرى الحرب بأي حال، بينما رأى الولي إمكانية إعلان الحرب في بعض الحالات، فإنه مع غض النظر عن التشخيص سيكون الإختلاف قائماً، لكن في هذه الحال حيث أن هذه الفتوى من مقدمات الولاية وإعمالها وقد دلت الأدلة اللفظية على وجوب طاعة الفقيه، يدل هذا على أن ولاية الفتوى لدى المرجع ساقطة في هذه الحال، إذ لا يوجد في الأدلة ما يسمح بترجيح الرأي الفقهي للمرجع غير الولي على الرأي الفقهي للولي، بل العكس هو الموجود وهو ما دل على لزوم طاعة الولي من الأدلة اللفظية.

        ومثله لو كان الدليل عقلياً أي دليل الحسبة، فإنه بعد أن تيقنا بوجوب إطاعة الفقيه يكون هذا كافياً في تقديم رأي الفقيه الفقهي على رأي المرجع، لأن العقل يدرك بناءً على دليله، أن تقليد المرجع ينحصر مجاله بالأحكام التي لا تعارض ولاية الولي والحكومة العادلة.


        نتيجة البحث‏

        والنتيجة هي أنه لو جوّز البعض تقليد غير الولي كما هو عليه الحال في هذا العصر إلى أن يأتي العصر الذي تصحح فيه الأحوال وتتوحد فيه كلمة الحق حول وحدة الولاية والمرجعية، فإنه لا مجال لأن يجوّز أحد تقليد المرجع في الموارد التي تتعارض مع رأي الفقيه الولي والتي هي من شأن الولي والتي يؤدي التقليد فيها إلى عدم العمل برأي الفقيه الولي، لأن ذلك مخالف للأدلة المشار إليها سابقا الدالة على أن ولاية الإفتاء بغرض العمل المرتبط بالشأن العام منحصرة بالفقيه الولي، علماً أن الغالب هو التوافق بين العلماء الأعلام على المستوى الفقهي في الفتاوى المتعلقة بالموارد الإجتماعية والسياسة إلا ما ندر، أما التشخيص وإصدار الأحكام التي تحتاجها الأمة فليس من شأن المرجع على الإطلاق ما لم يكن هو الولي.



        يتبع

        تعليق


        • #19
          الدرس الثامن عشر: هل يمكن أن يكون الولي غير معصوم؟

          يقال: إننا نسلم لكم بأنه لا مشكلة عقلية أو شرعية من حيث المبدأ في أن يكون الولي بالنيابة عن الإمام عليه السلام غير معصوم، لكن هناك أخبار نهت عن أن يقوم الشيعة بهذا الدور في عصر الغيبة، ونهت عن الثورة وأمرت بالسكوت والصبر حتى يظهر الحجة عجل الله فرجه الشريف.

          وهذه الأخبار قد ذكرها الحر العاملي رحمه الله في وسائل الشيعة1 وإليك نموذجاً منها:

          1- خبر سدير قال: قال أبو عبد الله عليه السلام: "يا سدير الزم بيتك وكن حلساً من أحلاسه، واسكن ما سكن الليل والنهار، فإذا بلغك أن السفياني قد خرج فارحل إلينا ولو على رجلك".

          ولا بأس بهذه الرواية من حيث السند.

          وقد دلت أن على المسلمين أن يبقوا في بيوتهم لا يثورون حتى يخرج السفياني وهو زمان خروج الإمام المهدي عجل الله فرجه الشريف أيضاً.

          2- رواية أبي بصير عن أبي عبد الله عليه السلام أنه قال: "كل راية ترفع قبل قيام القائم فصاحبها طاغوت يعبد من دون الله عز وجل".

          وهذه الرواية صحيحة.

          101

          3- رواية عيص بن القاسم: قال سمعت أبا عبد الله عليه السلام يقول:

          "عليكم بتقوى الله وحده لا شريك له، وانظروا لأنفسكم فوالله إن الرجل ليكون له الغنم فيها الراعي فإذا وجد رجلاً هو أعلم بغنمه من الذي هو فيها يخرجه ويجي‏ء بذلك الرجل الذي هو أعلم بغنمه من الذي كان فيها.

          والله لو كانت لأحدكم نفسان يقاتل بواحدة يجرب بها ثم كانت الأخرى باقية يعمل على ما قد استبان لها، ولكن له نفس واحدة إذا ذهبت فقد والله ذهبت التوبة فأنتم أحق أن تختاروا لأنفسكم.

          إن أتاكم آتٍ منَّا فانظروا على أي شي‏ء تخرجون، ولا تقولوا خرج زيد فإن زيداً كان عالماً وكان صدوقاً ولم يدعكم إلى نفسه وإنما دعاكم إلى الرضا من آل محمد لله ولو ظهر لوفى بما دعاكم إليه، إنما خرج إلى سلطان مجتمع لينقضه، فالخارج منا اليوم إلى أي شي‏ء يدعوكم؟ إلى الرضا من آل محمد لله؟ فنحن نشهدكم أنا لسنا نرضى به وهو يعصينا اليوم وليس معه أحد وهو إذا كانت الرايات والألوية أجدر أن لا يسمع منا، إلا من اجتمعت بنو فاطمة معه فوالله ما صاحبكم إلا من اجتمعوا عليه... ".

          وهذه الرواية معتبرة.

          ولمعالجة هذا النوع من الاخبار والنصوص نقول:

          أولاَ: أن هذه الروايات المنقولة عن الإمام الصادق عليه السلام قد صدرت في زمن كثرتْ فيها الثورات والإنتفاضات باسم الأئمة، حتى أن بني العباس قد قاموا بثورتهم بهذا الإسم وهم لا يريدون إلا التسلط على العباد، فقد أراد الإمام عليه السلام أن ينبه الناس على ضرورة عدم الإنجراف وراء هذه العناوين البراقة، وإن سديراً نفسه راوي الرواية الأولى كان ممن يتأثر بهذه الرايات المنحرفة عن الإسلام حماساً للإسلام فيلهيه ذلك عن التدقيق.

          فقد جاء في الأخبار عن المعلى بن خنيس أنه قال: ذهبتُ بكتاب عبد السلام بن نعيم وسدير وكتب غير واحد إلى أبي عبد الله عليه السلام حين ظهر المسودة قبل أن يظهر ولد العباس: بأنا قد قدّرنا أن يؤول هذا الأمر إليك

          102

          فما ترى؟ فضرب بالكتب الأرض وقال: "أفٍ أفٍ ما أنا لهؤلاء بإمام أما يعلمون أنه إنما يقتل السفياني"2.

          وهذا الحديث يدل بوضوح على تأثر أصحاب تلك الكتب ومنهم سدير بالذين سماهم المعلى بالمسودة، وأنهم توهموا أن هذه راية الإمام، فنفى عليه السلام ودلهم على أن الإمام الذي سيوفق للثورة النهائية هو الذي يقتل السفياني أي صاحب العصر والزمان عجل الله فرجه الشريف.

          وهذا الذي قاله الإمام عليه السلام لا يتنافى مع إمكانية أن تقوم ثورة لا يدعي قائدها أنه الإمام الموعود، ولا يسعى لنفسه بل كل همه الحكم بما أنزل الله تعالى بالمقدار الممكن حتى يظهر الحجة عليه السلام.

          ثانياً: تدل الرواية الرابعة على أن هناك نوعين من الخروج على الأنظمة والثورة على الحكام الظالمين:

          أحدهما: ما يشبه خروج زيد الذي دلت الرواية على أنه كان خروجاً عن حق، وعنوان هذا الخروج أنه لم يكن يدعو لنفسه.

          ثانيهما: الخروج بغرض تحقيق مطامع شخصية وإن كان الخروج باسم أهل البيت عليه السلام.

          وقد دلت هذه الرواية على أن الخروج الباطل هو هذا النوع الثاني، وأن كل راية من هذا النوع يجب التحرز عنها واجتنابها وعدم الإنقياد إلى قادتها، لأنهم طغاة، وطاعة الناس لهم انقياد للمنحرفين وتسليم أنفسهم لغير الله تعالى، وهذا معنى قوله عليه السلام: "ويعبدون من دون الله".

          وهذا ما نشهده في المسلمين المنقادين لأناس هم في واقع حالهم يدعون لأنفسهم، فاغتر الناس بهم وظنوهم يريدون الحق فانحرفوا معهم وضلوا وخرجوا عن ولاية الله تعالى، إلا أن تتداركهم رحمته تعالى ولو بسبب جهلهم وقصورهم.

          ويؤكد ما ذكرنا أن الرواية المذكورة قالت: "إن أتاكم آتٍ منا فانظروا" ولم تقل فارفضوا، وهذا يدل على أن الإستجابة في حد ذاتها ليست محرمة بل مرتبط حكمها بطبيعة الدعوة التي يدعو إليها ذلك الشخص.

          103

          فالرواية المذكورة دلت على أن هناك معايير يجب رعايتها في التمييز بين راية الحق وراية الضلال، وتجلت هذه المعايير بقوله عليه السلام: "فإن زيداً، كان عالماً وكان صدوقاً ولم يدعكم إلى نفسه وإنما دعاكم إلى الرضا من آل محمد لله ولو ظهر لوفى بما دعاكم إليه". والدعوة المرفوضة حينئذ هي دعوة من يخرج ويدعي أنه يريد الرضا من آل محمد ولكن عندما يظهر لا يفي بذلك.

          وهذا الذي ذكرته هذه الرواية يشكل قرينة على أن المراد من قوله عليه السلام في آخر الرواية: "فالخارج منا اليوم" هو تشخيص واقع فعلي لا المنع المؤبد، كما أنه يشكل قرينة على أن المراد من الرايات في الروايات الأخرى الرايات التي تدعو لنفسها وتنصب أنفسها أئمة للناس بدون أخذ المعايير الشرعية بعين الإعتبار، فلو كان قادتها بروحية زيد وشخصية زيد لم يكن هناك مشكلة بل تكون طاعتهم حينئذ طاعة للحق وطاعة لله تعالى.

          بل هناك روايات دلتْ على أن المقصود بهذه الرايات الموصوفة بأن صاحبها طاغوت، هي رايات الضلال، فقد روى في الكافي عن أبي جعفر الباقر: "ومن رفع راية ضلال فصاحبها طاغوت"3.

          ثالثاً: إن بعض هذه الأخبار صدرت تقية حتى يشعر الحكام بأن شيعة أهل البيت عليهم السلام ليسوا في وارد الثورة عليهم فيأمنون إلى أن تتحين لهم الفرصة لذلك.

          رابعاً: أن لدينا من الأدلة ما يكفي من العقل والكتاب والسنة تثبت بشكل قاطع وجوب الجهاد ضد الظلم ووجوب الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر وإعلاء كلمة الله والحكم بما أنزل الله تعالى، وهذه الأدلة تشكل قرينة على أن الروايات المشار إليها سابقاً لا يصح حملها على ما أراده المعترض.

          أما دليلنا العقلي:

          فهو ما تقدم في المقدمة من عدم معقولية أن يتركنا الله تعالى ويكلنا إلى الظالمين ليحكموا فينا إن أمكن أن نحكّم شرع الله تعالى فينا.

          أما من الكتاب:

          104

          فآيات كثيرة دل بعضها على عدم جواز الركون إلى الظالم، ووجوب الحكم بما أنزل الله تعالى، وإقامة العدل بين الناس، وتنفيذ أحكامه ونشر المعروف والنهي عن المنكر، وهي آيات لم تسقط عن الإعتبار في عصر الغيبة.
          أما من السنة:

          فروايات كثيرة: منها: ما رواه ابن أبي عمير عن جماعة من أصحابنا عن أبي عبد الله عليه السلام أنه قال: "ما قدستْ أمة لم يؤخذ لضعيفها من قويها غير متعتع"4.

          وهذه الرواية صحيحة.

          ومنها: ما ورد في علامات ظهور الحجة رحمه الله التي تتحدث عن رايات هدى تظهر قبل ظهور الحجة عجل الله فرجه الشريف كرايتي اليماني والخراساني وهما رايتان تخرجان قبل أن يخرج القائم، وهذا المعنى متسالم عليه بين العلماء ولا أقل من التسالم على إمكانه.

          والخلاصة: أنه يجب أن نفهم هذه الأخبار بالطريقة المتلائمة مع الكتاب والسنّة، فالمقصود بها الردع عن التسرع في الإنقياد خلف كل راية، وعن الإلتحاق بالرايات التي تريد أن تسخرنا لأنفسها وأغراضها بعيداً عن الدين وعن رضا أهل البيت عليهم السلام، وأن لا تغشنا عناوين الناس وعناوين الرايات كأن يكون رائدها مسلماً بالهوية أو ممن يدعي حب أهل البيت عليهم السلام وهو في مسلكه ليس من المحبين.

          ومن مجموع ما تقدم تعرف لماذا لم يذهب أحد من علمائنا المحققين إلى عدم جواز الثورة ضد الظلم، ولماذا اختاروا القول بجواز بل وجوب السعي لإقامة العدل بين الناس والمنع من المنكر وإحقاق الحق، ولم يقبل أحد منهم أن يستفاد أي استفادة سيئة من هذه الروايات التي هي في مقام آخر يختلف كلياً عن مقام الثورة من أجل الحق بقيادة رموز الحق، وإن سمعت أن بعضهم ذهب إلى عدم مشروعية الجهاد ضد الظلم فاعلم أن المنقول عنه من غير المعتبرين في عالم العلم والعلماء.

          105

          هوامش

          1- راجع كتاب وسائل أبواب جهاد العدو الباب الثالث عشر.
          2- الوسائل الباب الثالث عشر من أبواب جهاد العدو الحديث الثامن.
          3- الكافي الجزء الثامن (الروضة) الحديث 456.
          4- الوسائل الباب الأول من أبواب الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر الحديث التاسع.


          يتبع

          تعليق


          • #20
            الدرس التاسع عشر: هل يلزم الديكتاتورية؟

            أثير موضوع الديكتاتورية وولاية الفقيه في بدايات انتصار الثورة بشكل واسع من قبل جمع قليل من الذين لم يعجبهم أن تختار الأمة نظام الجمهورية الإسلامية المرتكز على مبدأ ولاية الفقيه، وأبدوا رفضهم باعتراضات أثاروها منها دعوى أنه يلزم من نظرية ولاية الفقيه الديكتاتورية، وأن يكون الحكم المبني على أساسها نظاماً دكتاتورياً!

            وقد تصدى الإمام الخميني قدس سره بنفسه لهذه الدعوى كما تصدى لغيرها من الأمور التي طالتْ نظرية ولاية الفقيه، إذ لم يكن يسمح بأي تهاون بها حتى أنه دعا جميع خطباء الجمعة في ذلك الوقت لبيان مسألة ولاية الفقيه بشكل واضح، حتى لا يقع الناس في شباك أولئك الذين أرادوا زعزعة ثقتهم بهذا المبدأ المقدس.

            وقد كان أساس تلك الشبهات ومنشؤها هم الأعداء، وإن كان بعضها قد ينطلق من سذجٍ، انقادوا لبعض المفاهيم والأفكار، لكن بالتأكيد فإن الجو الذي يدعو لمناقشة مبدأ ولاية الفقيه بطريقة مسيئة هو جؤ معادٍ سواء كان المناقش منهم أو كان يظن نفسه من المقربين، حتى أنك ترى الغضب والغيظ في كلمات هؤلاء الذين يكتبون ضد مبدأ ولاية الفقيه ولا تجد مبرراً لهذا الغيظ سوى حقد أو انحراف خطير عن دين الإسلام.

            107

            رد شبهة الديكتاتورية:

            وإنما سميناها شبهة لما قاله أمير المؤمنين عليه السلام في نهج البلاغة: "وإنما سميت الشبهة شبهة لأنها تشبه الحق، فأما أولياء الله فضياؤهم فيها اليقين ودليلهم سمت الهدى، وأما أعداء الله فدعاؤهم فيها الضلال ودليلهم العمى"1.

            وسنكتفي في الرد على هذا الشبهة بما فهمناه من كلمات الإمام الخميني قدس سره في هذا الصدد، والذي يمكن استخلاصه من كلامه قدس سره في الرد عليها هو ما يلي:

            أولاً: ليس من الديكتاتورية في شي‏ء أن يكون النظام المعتمد في إيران الذي أيدته أكثرية الشعب بحيث تجاوزت نسبة التأييد التسعين في المائة دون ضغط أو إكراه، فالشعب بغالبيته العظمى أيَّد ولا يزال نظام الجمهورية الإسلامية المبني على مبدأ ولاية الفقيه كما نص عليه الدستور.

            ثانياً: الديكتاتورية متجسدة في كلمات المعترضين، إذ يحاولون وهم القلة أن ينصبوا أنفسهم في موقع يحسبون أنفسهم أوصياء على الشعب والأمة، والحال أن الشعب لم يرض بذلك منهم بدليل أنه خالفهم، وهؤلاء عندما ينصبون أنفسهم في هذا الموقع يسعون لفرض رأيهم وإثارة جو نفسي وزعزعة ثقة الشعب والمسلمين بهذه الجمهورية والثورة، وهذا نحو من أنحاء الديكتاتورية.

            ثالثاً: إن من يدعي أن مبدأ ولاية الفقيه يستلزم ديكتاتورية فلا ريب أنه جاهل بهذا المبدأ وأهميته وقدسيته، بل العكس هو الصحيح، فإن الحامي للحريات وفق المبادئ الإسلامية والحامي لإرادة الشعب وحقوقه والمدافع عنه هو مبدأ ولاية الفقيه الذي يقوم بمهمة الإشراف على أمور البلد حتى لا ينحرف أحد ممن يمكن أن يستلم مقدرات البلد.

            108

            فهو الذي يمنع رئيس الجمهورية من أن ينحرف وأن يحكم بهواه، وهو الذي يمنع رئيس الوزراء من أن ينحرف ويحكم بهواه، وهكذا الكلام بالنسبة لأي مسؤول، كما أن مبدأ ولاية الفقيه يمنع الفقيه نفسه أن ينحرف وأن يحكم بهواه ولا يحق له ذلك أصلاً بل عليه أن يحكم وفق رأي الإسلام حسب اجتهاده والمفروض أنه بذل جهده كله للوصول إلى هذا الرأي واستكشافه من خلال وسائل الإستنباط الممكنة له، والمفروض أنه مجتهد قادر على استنباط الأحكام الشرعية.

            كما أن عليه بذل الجهد في تمحيص الوقائع وتشخيصها حتى يطبق عليها حكمها الإلهي ويحكم على وفقه، والمفروض في الفقيه الولي العدالة والورع والكفاءة بل الأكفئية في تحقيق كل ذلك، كما ان المفروض ان في الأمة علماء وتقاة وثقاة ورعون يراقبون حركة الفقيه وبإمكانهم عزله إن انحرف وصار يحكم برأيه، وقد صان الدستور هذا الحق للخبراء وللأمة.

            وإنما يكون الحكم ديكتاتورياً إذا استند الحكم إلى الرأي الشخصي بعيداً عن أي اعتبارات صحيحة وأجبرهم على اتباعه، وإنما يكون الحكم ديكتاتورياً إن كان الحكم وفق الهوى متاحاً للحاكم، وكان الحاكم قادراً على أن ينفذ جميع رغباته بدون أن يتجرأ أحد على معارضته.

            والإنصاف أن كثيراً من مدعي الحرية والمطالبين بها هم في واقعهم يريدون أن يكونوا حاكمين ديكتاتوريين، لأنه ما من حاكم حكم أمة إلا وكان الهوى رائده، ويكاد يندر أن تجد أمة أو شعباً يخضع فيها الحاكم لضوابط تكون حاكمة عليه كما تكون حاكمة على الأمة، ومبدأ ولاية الفقيه يجعل الفقيه كغيره من أبناء الأمة خاضعاً للقانون والتشريع الإسلامي فلا يستطيع أن يحيد عنه قيد أنملة، وعند التدقيق نجد أن أقوى ضمانة يمكن أن يقدمها الإسلام للمنتسبين إليه في عصر الغيبة هو مبدأ ولاية الفقيه.

            نعم لو أريد من الديكتاتورية حكم الرجل الواحد لصح هذا التعبير، لكنه تعبير يحمل المغالطات الكثيرة، فحكم رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم حكم الرجل الواحد

            109

            ومع ذلك لا يستطيع عاقل مسلم أن يقول إن حكمه كان ديكتاتورياً وكذا حكم أمير المؤمنين عليه السلام. فليس كلما كان الحكم حكم الرجل الواحد كان الحكم ديكتاتورياً بل ربما كان الحكم ديكتاتورياً مع كون الحاكم مجموعة من الناس لا يوجد بينهم أي رابط حزبي، وربما يحكم الرجل الواحد فيجسد أرقى مظاهر الحرية المسؤولة والمشورة وفق القيم الصحيحة التي نراها متجسدة بالإسلام.

            وللأسف فإن كثيراً من المعترضين بالديكتاتورية وغيرها من الإعتراضات على نظام ولاية الفقيه يريدون في الحقيقة الخروج من حكم الإسلام والتفلت من قيوده وتشريعاته، ومشكلتهم الأساسية مع الدين نفسه، يريدون أن تكون لهم كلمة في مقابل كلمة الله وكلمة الله هي العليا لو كانوا يفقهون.

            رابعاً: على أن هؤلاء المعترضين لن يعترضوا بهذا الإعتراض لو كانت الصلاحيات كلها التي ثبت في الإسلام أنها للفقيه قد أعطيت لإنسان آخر غير فقيه بل وغير مسلم، بل ربما سيمدحون الشخص والنظام، ولكنهم يعيشون عقدة الإسلام ولا يتجرأون على قول ذلك.

            خامساً: على أنه في دستور الجمهورية قد حُددتْ للفقيه صلاحيات هي أقصر دائرة من صلاحياته الأساسية، وإنما وافق عليها الإمام الخميني وتلاميذه من مؤسسي الجمهورية المباركة لأن الإمام مؤمن بإعطاء دور للأمة.

            سادساً: كما أن الفقيه يمارس الشورى بأفضل طرقها وهو ملزم شرعاً وعقلاً بالإستشارات في بعض المواضع.

            بل نجد أن الإمام الخميني قدس سره وهو الولي الفقيه الذي كان بإمكانه أن ينفرد بالحكم ولم يكن ليعترض عليه أحد نظراً لعمق المحبة له في قلوب الشعب المسلم في الجمهورية الإسلامية في إيران بل وخارجها وجميع المستضعفين في الأرض، قد أسس لعمل جماعي يخرج فيه الحكم عن حكم الرجل الواحد، ليكون المستقبل أكثر ضماناً للأمة والمجتمع من خلال تشكيل المؤسسات التي شُرِعِّتْ في الدستور وأُعطِيتْ صلاحيات وتجسدتْ بذلك

            110

            أرقى مظاهر الشورى إن على مستوى التشريع أو على مستوى القضاء أو على مستوى الحكم عامة، كمؤسسة المجلس النيابي التشريعي، ومؤسسة مجلس الوزراء، ومؤسسة مجمع تشخيص المصلحة، ومؤسسة شورى القضاء، ومؤسسة مجلس الخبراء، ومؤسسة مجلس المحافظة على الدستور وغيرها من المؤسسات، وهذا كله من نتاج ولاية الفقيه تحت إشراف الفقيه المسدد الإمام الخميني المقدس قدس سره.

            والخلاصة: أنه لا ينبغي لإنسانٍ‏ٍ فهم ولاية الفقيه أن يعترض بهذا الإعتراض، لكن غالب المعترضين هم للأسف إما جهلة بهذا المبدأ أو يعيشون عقدة من الفقهاء أو من الإسلام أو من كل ما هو دين، أو هم قوم خبيثوا النية يريدون التسويق لأفكار غريبة عن الأمة لأهداف شيطانية وهو ما لن يخفى على أي متتبع، يريدون ليطفئوا نور الله بأفواههم والله متم نوره ولو كره المشركون والكافرون.

            وسنشهد تكرر هذا الإعتراض كلما سنحت الفرصة بذلك لا بهدف البحث عن حل له، بل بهدف التشويش على هذا المبدأ المقدس وبهدف تضييعه وتضييع المجتمع الإسلامي القائم عليه.

            إن ضمانتنا الكبرى في عصر الغيبة ليس في ولاية الأمة على نفسها، بل ضمانتنا في مبدأ ولاية الفقيه، ولا يمكن لأي مجموعة من الناس أن تزعزع ثقتنا بهذا المبدأ، ولا أن تجعلنا نقنع بغيره من أسس الحكم، فما وجدنا ولن نجد أماناً في ظل أي شي‏ء آخر.

            ثم إن النقاش مفتوح على المستوى العلمي والفكري سواء في صلاحيات الفقيه الولي أم في مبدأ ولاية الفقيه، لكن بروحية استكشاف ماذا يريد الإسلام، لا من خلفية ما الذي يعجبنا وما الذي لا يعجبنا، وهذا يستدعي حسن رعاية لأسلوب النقاش وزمان ومكان عرضه ولا يتلاءم أبداً مع أي طريقة أخرى تهدف عن قصد أو غير قصد إلى تشويه صورة المبدأ أو إلى جرأة الآخرين على هذا المبدأ.

            111

            هوامش

            1- نهج البلاغة ص‏81.


            يتبع

            تعليق


            • #21
              الدرس العشرون: كيف يكون ولي الأمر المختار من قبل أهل خبرة بلد ولياً على أهل بلد آخر؟

              ربما يتساءل البعض: أنه إن كان ولي الأمر المختار ولياً على الأمة الإسلامية بأجمعها فهذا يقتضي أن تشارك الأمة كلها في اختيار ولي الأمر، بينما الذي يحصل هو خلاف ذلك، أي إن بعض الأمة تختار ولي الأمر دون أن يكون للبعض الآخر دخل في ذلك، ثم يصبح هذا الولي ولياً على الجميع بمن فيهم هذا البعض الذي لم يكن له أي دور في اختياره، وربما يكون عدد هذا البعض أكبر من عدد الذين شاركوا في الإختيار، ومن هنا يحق لنا السؤال: كيف صار الولي المنتخب من قبل بعض الأمة ولياً على الجميع؟

              وهذا وإن كان متعقلاً في الأزمنة السابقة، حيث لم يكن بمقدور الأمة أن تشارك بأجمعها في اختيار الولي لصعوبة التواصل وبالتالي الحضور في الوقت المناسب، لكنه في هذا الوقت لم يعد بالإمكان الإتكال على مجموعة خاصة ونهمل الباقي بعد أن بلغت الإتصالات مرحلة من التطور بحيث يمكن خلال يومين أن يجتمع مندوبوا المسلمين من جميع الدول والمشاركة في الإختيار أو يشاركون في أماكنهم.

              وبعبارة صريحة نقول كنموذج تطبيقي لما نقول:

              إن المجتمع المسلم في إيران يختار أهل الخبرة من مجتمعه، بينما لا يختار

              113

              المجتمع المسلم في لبنان وغيره من البلاد الإسلامية أهل خبرة من عندهم يكونون جزءاً من مجلس الخبراء الذي يتولى اختيار القائد ومراقبة مسيرته وعزله حين يحتاج الأمر إلى العزل، فهل يمكن مع ذلك فرض أن ولي الأمر في المجتمع المسلم في إيران ولياً على مسلمي لبنان وغيره من البلاد الإسلامية؟

              وللاجابة عن هذا التساءل نقول:

              أولاً: نحن نسلم بأن المبدأ يقتضي ما ذكر لكن لا يبلغ حد الإلزام والضرورة.

              ثانياً: نحن في الواقع لا نعتبر أن ذلك الأمر لم يحصل ولا نعتبر أننا غير مشاركين في تلك المسألة، بل لنا دور على مستوى التعيين، كما لنا دور على مستوى العزل.

              أما على مستوى التعيين فكل المطلوب منا هو أن نحرز كالمسلمين الإيرانيين أن الشخص المعين من قبل أهل الخبرة قد توفرت فيه جميع الشروط المعتبرة في الوالي.

              أما على مستوى العزل فلأننا عندما نحرز من طريق شياع أهل الخبرة المفيد للعلم أو الإطمئنان أنه لم يعد صالحاً لهذا الموقع نصبح غير معنيين بولايته.

              وبعبارة مختصرة المطلوب منا أن نحرز من خلال شياع أهل الخبرة توفر الشروط فيه حتى تصبح طاعته واجبة علينا، كما أننا لا نكون معنيين بالطاعة لو أحرزنا من خلال الشياع المذكور أيضا عدم توفر الشروط أو زوالها.

              وإنه لمن المنطقي تماماً أن نحرز هذا وذاك من رأي مجلس الخبراء المشكل في الجمهورية الإسلامية في إيران كما سنبين ذلك فيما بعد.

              ومنشأ ما ذكرناه الآن هو ما ذكرناه سابقاً أن الإنتخاب ليس دوره إعطاء شرعية حكم للمنتخب، بل استكشاف صاحب الشرعية، وأن ذلك لا يكون إلا من خلال شياع أهل الخبرة المفيد للعلم أو الإطمئنان، وقد ذكرنا أنه لا يكفي في التعيين قول شخص أو شخصين، ولا شياع غير اهل الخبرة، كما لا يكفي ذلك في العزل أو رفض الولاية، فراجع ما ذكرناه.

              114

              وهذا المعنى متحقق في ولاية ولي أمر هذه الجمهورية، فإننا من خلال شياع أهل الخبرة علمنا بتوفر الشروط وانكشف لنا من هو صاحب الحق بالطاعة وصاحب الشرعية بالحكم، ولذا صرنا ملزمين بطاعته، وإن لم نكن ملزمين بتفاصيل الحكم المختص بإدارة الجمهورية الإسلامية، ولذا لا نعتبر رئيس الجمهورية ولي أمرنا إلا إذا أمَّرَهُ علينا الإمام القائد، وكذا غير الرئيس من المسؤولين في تلك الجمهورية.

              ثالثاً: إذا التفتنا إلى ما ذكرناه سابقاً نقول إنه من الضروري تحديد المقصود من السؤال وتحديد منشئه ومنطلقه.

              فإن كان المنطلق حالة قومية أو شخصية، فإننا لا نملك جواباً على هذا السؤال إلا تقديم النصح بضرورة الإلتزام بالأخلاق الإسلامية وتربية النفوس على قواعد إسلامية، لأن خلفية السؤال غير دينية، والإسلام لم يأخذ بعين الإعتبار هذه الإعتبارات في تشريعاته وخصوصاً في باب الولاية، فإن مجرد أن المسلم اللبناني لم ينتخب أو لم يختر شخصاً من أهل الخبرة فهذا لا يشكل أساساً للطعن من الجهة الشرعية في الموضوع الجاري حالياً في الجمهورية الإسلامية المباركة.

              نعم سيكون طعناً إن اعتبرنا أن الولي في إيران إيراني، وسيكون طعناً إن اعتبرنا مجلس الخبراء مجلساً قومياً إيرانياً فنسأل عن مجلس لبناني أو عن مجلس يكون خليطاً بين إيرانيين ولبنانيين.

              فالسؤال بالخلفية المذكورة سؤال خاطئ.

              بل السؤال الذي يهمنا كمسلمين مع غض النظر عن كوننا لبنانيين أو إيرانيين أو من أي جنسية كنا، هو هل هذا المجلس مشكل من أهل خبرة أم لا؟ وهل نعترف بكونهم أهل خبرة أم لا؟ وهل هم عدول أم لا؟ وهل يملكون القدرة على تمييز الشخص الذي يملك أهلية الولاية أم لا؟ وبالتالي هل هم حجة علينا أم لا؟.

              فإن كان الجواب بالإيجاب، فلن يضر في الموضوع الشرعي بعد ذلك كون

              115

              أهل الخبرة إيرانيين أو عراقيين أو من غيرهم. وإن كان الجواب بالسلب فلن يفيدنا حينئذ كون المجلس خليطاً من شعوب مختلفة وقوميات متعددة. وبعبارة أوضح: إن كان العدد المتوفر في المجلس هو من أهل الخبرة وكان يكفي لتحصيل العلم أو الإطمئنان كما ذكرنا ذلك فيما سبق حين الحديث عن مجلس الخبراء، فهو حجة علينا سواء شاركنا في الإنتخاب أم لم نشارك، وسواء كان لنا مندوبون من أهل الخبرة أم لم يكن.

              نعم قد أشرنا إلى أن المشاركة كلما عمت كلما كان ذلك أحسن لكي يشعر المسلمون على اختلاف بلادهم أن لهم دوراً وأنهم يتحملون جزءاً من المسؤولية في هذا المجال، لكن التفضيل والإستحسان شي‏ء ولزومه الشرعي بحيث يصلح ما ذكر نقضاً على العملية الجارية شي‏ء آخر.

              لكننا عندما نفضل ذلك فإنما نستحسنه مع إمكان تنفيذ ذلك، ومع إمكان إصدار تشريع يسمح للخبراء من الدول المختلفة في المشاركة من غير ضرر بمصالح الجمهورية الإسلامية التي يعتبر حفظها من أهم الواجبات في الإسلام.

              ولكن الذي يسهل الأمر ويؤدي إلى القناعة بأن المجلس يتضمن أهل الخبرة، أن المرشحين لهذا المجلس يجب أن يأخذوا موافقة مجلس أعلى يدقق في حملهم للمواصفات التي تجعلهم أهلاً ليكونوا في هذا المجلس، فنحن لم نستدل على كون المنتخبين في هذا المجلس هم من أهل الخبرة من خلال انتخاب الناس لهم، بل من خلال تأييد ذلك المجلس الأعلى لأهليتهم، والمفروض أن أعضاء ذلك المجلس الأعلى من المعروفين بالعلم والعدالة والورع والتقوى، بل هذا هو ما نعرفه عنهم فعلاً، فمهما كانت جنسية الأشخاص المنتخبين في مجلس الخبراء فهم من أهل الخبرة، وبالتالي فإن قولهم حجة علينا.

              نعم سنقع في مشكلة لو أن مجلس الخبرة يفتش عن ولي أمر يكون إيرانياً ويفضله على غيره من الأقطار الأخرى حتى وإن كان هذا الغير أفضل وأكفأ

              116

              من الإيراني، وبعبارة أصرح سنكون أمام محذور شرعي، لأن الواجب على مجلس الخبراء أن يفتش عن الولي الأصلح من بين جميع الفقهاء في جميع البلاد الإسلامية، أما حصر البحث بالفقهاء الإيرانيين فهو مخالف للشريعة، لأنه لا يشترط في الفقيه الولي أن يكون من جنسية معينة، نعم يجوز ذلك مع الضرورة الداعية لذلك.

              لكن الذي يجري في الجمهورية الإسلامية يجري على النهج الصحيح، ولذا نجد أنه لم يشترط في دستور الجمهورية الإسلامية أن يكون الولي إيرانياً، علماً أنهم اشترطوا ذلك في رئيس الجمهورية أو رئيس الوزراء. والسر في ذلك أن رئيس الجمهورية رئيس للإيرانيين وليس رئيساً لجميع المسلمين، بينما الولي ولي على جميع المسلمين، فمن جهة التشريع تم تشريع قانون يوافق المبادئ الإسلامية في موضوع تعيين الولي من حيث عدم اشتراط جنسية معينة.

              كما أن التنفيذ يسير بشكل سليم لأننا نعلم بأن أعضاء مجلس الخبراء يبحثون عن الولي من بين جميع الفقهاء المسلمين لعلمنا بورعهم وعلمهم ومعرفتهم بأن الولي لا يشترط فيه أن يكون إيرانياً بل مع علمهم أن هذا الشرط لاغ شرعاً.

              ولو فرضنا أن مصلحة الإسلام والأمة وحفظ الجمهورية الإسلامية توقفت على أن يكون الولي إيرانياً، بحيث إن لم يكن إيرانياً يخشى من زوال الإنجازات التي تحققت بما يشبه المعجزة، ويخشى من أن تسقط راية الإسلام هناك، خصوصاً وأن الألاعيب السياسية والإجتماعية والمؤامرات الهادفة إلى إسقاط ذلك النظام المقدس الذي اعتبره الإمام الخميني قدس سره)بحق أوجب من الصلاة وجميع العبادات، واعتبر بحق أن حفظه من أهم الواجبات ففي مثل هذه الحال لا مانع من اختيار ولي إيراني كفوء تتوفر فيه الشروط المعتبرة في الولي.

              وفي هذه الحال يجب علينا أيضاً الإنقياد له لأن الفرض أن ضرورة

              117

              الإسلام دعت إلى تخصيص الإختيار، ويجب على جميع المسلمين التضحية من أجل الإسلام وتقديم مصلحة الإسلام على جميع الإعتبارات الشرعية وغيرها ويكون هذا التكليف مقدماً على أي اعتبار آخر وأي تكليف آخر.

              لكن بحمد الله لم نصل إلى هذه المرحلة من الضرورة والإضطرار، بل لا زال هذا المنصب تحت سلطة الفقيه الكفوء الذي تتوفر فيه أفضل الشروط من بين جميع فقهاء المسلمين، كما كان كذلك في عهد الإمام الخميني قدس سره ولا أعتقد أننا سنبلغ مرحلة الإضطرار المذكورة لأن الله تعالى قد شاء أن تكون الجمهورية الإسلامية مركزاً حوزوياً ومنبعاً علمياً مهماً يتخرج منه العلماء الفقهاء القادرون على تحمل أعباء المسؤولية، وأملنا بالله تعالى أن يحفظ المسيرة ويهي‏ء لها حفظة وأمناء إلى أن يظهر الحجة عجل الله فرجه الشريف.

              تعليق

              المحتوى السابق تم حفظه تلقائيا. استعادة أو إلغاء.
              حفظ-تلقائي
              x

              رجاء ادخل الستة أرقام أو الحروف الظاهرة في الصورة.

              صورة التسجيل تحديث الصورة

              اقرأ في منتديات يا حسين

              تقليص

              المواضيع إحصائيات آخر مشاركة
              أنشئ بواسطة وهج الإيمان, 27-03-2024, 06:44 PM
              ردود 0
              13 مشاهدات
              0 معجبون
              آخر مشاركة وهج الإيمان
              بواسطة وهج الإيمان
               
              أنشئ بواسطة ibrahim aly awaly, 25-05-2019, 07:10 AM
              ردود 3
              272 مشاهدات
              0 معجبون
              آخر مشاركة وهج الإيمان
              بواسطة وهج الإيمان
               
              يعمل...
              X